فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدُوا بِرِدَّةٍ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ فَلَوْ
قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ كَأَسْرِ كُفَّارٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كَالشَّافِعِيِّ قُبِلَتْ مُطْلَقَةً، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: تَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْ السَّبَبِ، فَإِنْ امْتَنَعَ كَانَ امْتِنَاعُهُ قَرِينَةً لَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ مَعَهَا إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كَالْمَالِكِيِّ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا مُفَصَّلَةً، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فَيَبْقَى فِيهِ عَارٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الْإِيمَانِ، فَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَمْ يَقُولَا عَنْ الْإِيمَانِ أَوْ قَالَا: كَفَرَ وَلَمْ يَقُولَا: بِاَللَّهِ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَطْعًا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَبُولُهَا مُطْلَقًا (لَوْ شَهِدُوا) الْمُرَادُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى شَخْصٍ (بِرِدَّةٍ) وَلَمْ يَفْصِلُوا (فَأَنْكَرَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (حُكِمَ) عَلَيْهِ (بِالشَّهَادَةِ) وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ وَالتَّكْذِيبُ وَالْإِنْكَارُ لَا يَرْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ أَوْ كَذَّبَهُمْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، فَإِنْ أَتَى بِمَا يُصَيِّرُهُ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَكِنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْنُونَةِ زَوْجَاتِهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ أَوْ بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ، وَهَلْ يَنْعَزِلُ عَنْ وَظَائِفِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ أَوْ لَا؟ خِلَافٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِرِدَّةٍ مَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْشَائِهِ أَوْ إقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيُشْبِهُ فِيمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ، بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا شَرَطْنَا التَّفْصِيلَ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ يُطْلِقَ التَّفْرِيعَ. وَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِصْمَةِ دَمِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ فَلِلْقَاضِي تَجْدِيدُ إسْلَامِهِ، وَالْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَوَّبَهُ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ مَثَلًا أَنْ يَشْهَدَ بِالْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّ بِالتَّعْرِيضِ وَيُعَزِّرُ بِأَبْلَغَ مَا يُوجِبُهُ الشَّافِعِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعُ، فَإِنْ عَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّ لِسَانَهُ سَبَقَ إلَى كَلِمَةِ كُفْرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ مِثْلَهُ مِنْ الطَّلَاقِ (فَلَوْ) صَدَّقَ شَخْصٌ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ وَلَكِنْ.
(قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ) مُشْعِرَةٌ بِذَلِكَ (كَأَسْرِ كُفَّارٍ) لَهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا، وَالظَّاهِرُ