قُلْتُ: لَوْ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعُوا التَّاجَ عَلَى بَطْنِ أُمِّهِ وَعَقَدُوا لِحَمْلِهَا اللِّوَاءَ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَمَلَكَهُمْ إلَى أَنْ مَاتَ، نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَقَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ: وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إقْلِيمٍ فَوَلَّوْا الْقَضَاءَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ انْعِقَادُهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَرْجِعُ لِلْعُقَلَاءِ أَوْ امْرَأَةٍ هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا لِعَامٍّ فِيمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ كَتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ وَالْوُلَاةِ؟ فِيهِ وَقْفَةٌ اهـ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ وَقْفَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْكَافِرُ أَوْلَى.
فُرُوعٌ: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ، وَتَجِبُ نَصِيحَتُهُ لِلرَّعِيَّةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِإِمَامَيْنِ فَأَكْثَر وَلَوْ بِأَقَالِيمَ وَلَوْ تَبَاعَدَتْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَالِ الرَّأْيِ وَتَفَرُّقِ الشَّمْلِ، فَإِنْ عُقِدَتْ لِاثْنَيْنِ مَعًا بَطَلَتَا أَوْ مُرَتَّبًا انْعَقَدَتْ لِلسَّابِقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي وَمُبَايِعُوهُ إنْ عَلِمُوا بِبَيْعَةِ السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا. فَإِنْ قِيلَ وَرَدَ: فِي مُسْلِمٍ «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا» فَكَيْفَ يُقَالُ بِالتَّعْزِيرِ فَقَطْ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ، فَإِنْ عُلِمَ سَبْقٌ وَجَهْلٌ بَطَلَ الْعَقْدَانِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالنِّكَاحِ، وَإِنْ عَلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وَقَفَ الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ، فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ بِالْمُسْلِمِينَ عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفُهَا عَنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ، وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ بِجَوَازِ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا، وَالْحَقُّ فِي الْإِمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا السَّبَقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً، وَخَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَخْلَفُ مَنْ يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَعَنْ ابْنِ مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ خَلْعُ الْإِمَامِ مَا لَمْ تَخْتَلَّ الصِّفَاتُ فِيهِ، وَلَا يَصِيرُ الشَّخْصُ إمَامًا بِتَفَرُّدِهِ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ فِي وَقْتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الطُّرُقِ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ يَصِيرُ عَنْ غَيْرِ عَقْدٍ، حَكَاهُ الْقَمُولِيُّ.
قَالَ: وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَلْحَقَ الْقَاضِيَ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَوْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنْ الْإِمَامِ انْتَقَلَتْ أَحْكَامُهُ إلَى أَعْلَمِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِيمَا لَوْ عَادَ الْبَلَدُ مِنْ الْبُغَاةِ إلَيْنَا (لَوْ ادَّعَى) بَعْضُ أَهْلِهِ (دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ) بِلَا يَمِينٍ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَ (بِيَمِينِهِ) إنْ اُتُّهِمَ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَالْمُسْلِمُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَمْرِ دِينِهِ.