وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى الْمَقْسَمِ عَلَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ قِصَاصٌ
وَلَوْ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَمْدِ. أَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ لَوْثٌ.
(وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ) مِنْ الْمُدَّعِي (فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ) قَتْلِ (شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) مُخَفَّفَةٌ فِي الْأَوَّلِ مُغَلَّظَةٌ فِي الثَّانِي لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْعَاقِلَةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي الْعَمْدِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةٌ كَمَا قَالَ (وَفِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) دِيَةٌ حَالَّةٌ (عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ) وَلَا قِصَاصَ فِي الْجَدِيدِ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» وَأَطْلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابَ الدِّيَةِ وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَيْمَانُ لِلْقِصَاصِ لِذِكْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَفِي الْقَدِيمِ) عَلَيْهِ (قِصَاصٌ) ، حَيْثُ يَجِبُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» أَيْ دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ، وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ بِالِاتِّفَاقِ فَيَثْبُتُ بِهَا الْقِصَاصُ كَشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ.
وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ، وَعَبَّرَ بِالدَّمِ عَنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا بِسَبَبِ الدَّمِ، وَعَنْ التَّعْلِيلِ بِانْتِقَاضِهِ بِمَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَاحْتَرَزَ بِالْقَسَامَةِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْقَوَدُ يَثْبُتُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
(وَلَوْ ادَّعَى) قَتْلًا (عَمْدًا بِلَوْثٍ) أَيْ مَعَهُ (عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ) ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ (أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ) مِنْهُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) مِنْ مَالِهِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الْقَدِيمِ (فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ) وَاعْتَرَفَ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ وَإِنْ أَنْكَرَ (أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ) فِي الْأَظْهَرِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ السَّابِقَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ وَأَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ (وَفِي قَوْلٍ) يُقْسِمُ (خَمْسًا وَعِشْرِينَ) كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا، وَقَوْلُهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْغَائِبَ (فِي الْأَيْمَانِ) الَّتِي حَلَفَهَا لِلْحَاضِرِ قَيْدٌ لَا قَسْمٌ لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ ذَكَرَهُ فِيهَا (فَيَنْبَغِي) كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَرَّرُ (الِاكْتِفَاءُ بِهَا) ، وَلَا يَحْلِفُ (بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ ضَعْفُ الْقَسَامَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مَنْقُولُ الْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الثَّالِثِ إذَا حَضَرَ، وَهُوَ كَالثَّانِي فِيمَا مَرَّ فِيهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ