وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصَدْرٍ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبِينٍ وَخَاصِرَةٍ.
وَلَوْ أَوْضَحَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ يَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا وَأَيْضًا فَأَرْشُ نَفْسِ الْعُضْوِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ، وَلَيْسَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ، فَكَيْفَ نُوجِبُ فِي إيضَاحِ عَظْمِهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ.
(وَفِي جَائِفَةٍ) وَإِنْ صَغُرَتْ (ثُلُثُ دِيَةٍ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ إذْ لَا جُرْحَ فِي الْبَدَنِ يُقَدَّرُ غَيْرَهَا (وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يَصِلُ (إلَى جَوْفٍ) فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَبَطْنٍ) أَيْ كَدَاخِلِهِ (وَ) دَاخِلِ (صَدْرٍ، وَ) دَاخِلِ (ثُغْرَةِ نَحْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، وَهِيَ نُقْرَةٌ بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ (وَ) دَاخِلِ (جَبِينٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ جِيمٍ وَهُوَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ جِيمٍ تَثْنِيَةُ جَنْبٍ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ عَلَمٌ مِنْ التَّمْثِيلِ بِالْبَطْنِ (وَ) دَاخِلِ (خَاصِرَةٍ) مِنْ الْخَصْرِ، وَهُوَ وَسَطُ الْإِنْسَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيفَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ، وَخَرَجَ بِالْجَوْفِ الْمَذْكُورِ غَيْرُهُ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْجَفْنِ وَالْعَيْنِ وَمَمَرِّ الْبَوْلِ إذْ لَا يَعْظُمُ فِيهَا الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْأَجْوَافِ بَلْ فِيهَا حُكُومَةٌ، فَلَوْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى الْفَمِ أَوْ دَاخِلِ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ بِكَسْرِ قَصَبَةِ الْأَنْفِ، فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ فِي الْأُولَى أَوْ أَرْشُ هَاشِمَةٍ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ حُكُومَةٍ فِيهِمَا لِلنُّفُوذِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ حَزَّ بِسِكِّينٍ مِنْ كَتِفٍ أَوْ فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ فَأَجَافَهُ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أَوْ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ أَوْ حَزَّ بِهَا مِنْ الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أَوْ النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا حُكُومَةٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ، وَلَوْ أَجَافَهُ حَتَّى لَذَعَ كَبِدَهُ أَوْ طِحَالَهُ لَزِمَهُ مَعَ دِيَةِ الْجَائِفَةِ حُكُومَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَسَرَ ضِلْعَهُ كَانَتْ حُكُومَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِنُفُوذِ الْجَائِفَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فِي غَيْرِ الضِّلْعِ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ مَعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إلَّا بِكَسْرِهِ دَخَلَتْ حُكُومَةُ كَسْرِهِ فِي دِيَةِ الْجَائِفَةِ.
تَنْبِيهٌ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ نَفَذَ الطَّعْنُ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَجَ مِنْ الظَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ جَائِفَتَيْنِ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْجَائِفَةِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ جَوْفٍ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ هُنَا تَقْيِيدَ الْجَائِفَةِ بِمَا دَخَلَ الْجَوْفَ.
(وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا) وَلَا صِغَرِهَا لِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَالْأَطْرَافِ وَلَا بِكَوْنِهَا بَارِزَةً أَوْ مَسْتُورَةً بِالشَّعْرِ.
تَنْبِيهٌ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمُوضِحَةِ بَلْ الْجَائِفَةُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ غَرَزَ فِيهِ إبْرَةً فَوَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الشِّجَاجِ فَهُوَ عَلَى الْأَسْمَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فِي قَوْلِهِ.
(وَلَوْ أَوْضَحَ) الْجَانِي مَعَ اتِّحَادِ