وَلَوْ أَكْرَهَ عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ صَيْدًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ، أَوْ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ فَزَلَقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، أَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَظْهَرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمْيِيزٍ وَإِلَّا فَخَطَأٌ قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرِيكِ الْمُخْطِئِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ بِالْمُرَاهِقِ (وَلَوْ أَكْرَهَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِخَطِّهِ مُكَلَّفًا (عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ) بِفَتْحِهَا (صَيْدًا) أَوْ حَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ قَاصِدًا لِلْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا دُونَ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا فَإِنَّهُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ فَكَانَ كَالْآلَةِ لِلْمُكْرِهِ، وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّ الصَّيْدَ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ) آدَمِيًّا (رَجُلًا) أَوْ غَيْرَهُ فَمَاتَ (فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَاهُ، وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ) أَوْ عَلَى نُزُولِ بِئْرٍ (فَزَلِقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَالِهِ (وَقِيلَ) هُوَ (عَمْدٌ) وَهَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ مُحَقَّقٍ بَلْ هُوَ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إلَى قَتْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا فَلَا يَأْتِي هَذَا الْقَوْلُ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ، لَا كَمَا فَهِمَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّهُ قَيْدٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَطَأً فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اُقْتُلْ نَفْسَك أَوْ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهَا (فَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمُخَوَّفِ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ، وَالثَّانِي يَجِبُ كَمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ دِيَةٍ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَسْقُطُ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ شَيْءٌ.