وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ، أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذَلِكَ: كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، إذَا أَمِنَتْ الْخُرُوجَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَوْ يَعْلَمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ " وَهَذَا فِي زَمَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ
(وَتَنْتَقِلُ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ الْمَسْكَنِ) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لِعُذْرٍ، وَذَلِكَ (لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ) عَلَى مَالِهَا أَوْ وَلَدِهَا (أَوْ) لِخَوْفٍ (عَلَى نَفْسِهَا) تَلَفًا أَوْ فَاحِشَةً لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فِي مَكَان وَحْشٍ مُخِيفٍ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَيْ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ (أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] بِالْبَذَاءَةِ عَلَى الْأَحْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْدُو عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَعُدَّ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ
تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِانْتِقَالَ عِنْدَ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهَا تَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْكَنِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الزَّوْجَ يُحَصِّنُهَا حَيْثُ رَضِيَ لَا حَيْثُ شَاءَتْ، وَتَقْيِيدُهُ الْأَذَى بِالشَّدِيدِ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ تَأَذَّتْ بِهِمْ قَلِيلًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَمِنْ الْجِيرَانِ الْأَحْمَاءُ وَهُمْ أَقَارِبُ الزَّوْجِ، نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ أَذَاهَا بِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ وَكَانَتْ الدَّارُ ضَيِّقَةً نَقَلَهُمْ الزَّوْجُ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَبَذَتْ عَلَيْهِمْ نَقَلُوا دُونَهَا لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِدَارِ أَبَوَيْهَا: كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَوْلَى نَقْلُهُمْ دُونَهَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَخَرَجَ بِالْجِيرَانِ مَا لَوْ طَلُقَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَتَأَذَّتْ بِهِمْ أَوْ هُمْ بِهَا فَلَا نَقْلَ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ لَا تَطُولُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْتِقَالُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فِي دَعْوَى وَهِيَ بَرْزَةٌ خَرَجَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً حُدَّتْ وَحُلِّفَتْ فِي مَسْكَنِهَا بِأَنْ يَحْضُرَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهَا نَائِبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ هَاجَرَتْ مِنْهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ فَلَا تُهَاجِرُ حَتَّى تَعْتَدَّ، أَوْ زَنَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَهِيَ بِكْرٌ غُرِّبَتْ، وَلَا يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَيُخَالِفُ هَذَا تَأْخِيرَ الْحَدِّ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْحَدِّ وَيُعِينَانِ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْعِدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْحَدِّ وَلَا تُعْذَرُ فِي الْخُرُوجِ لِتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَتَعْجِيلِ حَجَّةِ إسْلَامٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الزِّيَادَاتِ دُونَ الْمُهِمَّاتِ
(وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ) فِي الْبَلَدِ (بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ