، وَحَيْثُ أَقُولُ: الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ، أَوْ الْقَدِيمُ، أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ مُفْتِي مَكَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالزِّنْجِيِّ لِشِدَّةِ شُقْرَتِهِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأُذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ نَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ، وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا، ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَازَمَهُ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهَا، وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ، وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ عَادَ إلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا نَاشِرًا لِلْعِلْمِ مُلَازِمًا لِلِاشْتِغَالِ بِجَامِعِهَا الْعَتِيقِ إلَى أَنْ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا أَيَّامًا عَلَى مَا قِيلَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ قُطْبُ الْوُجُودِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَخَ رَجَبَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِهِ، وَانْتَشَرَ عِلْمُهُ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ، وَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَرَّرَ نَاسِخَ الْأَحَادِيثِ وَمَنْسُوخَهَا، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفِقْهِ مَعْرُوفَةٍ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» . قَالَ لِلرَّبِيعِ: أَنْتَ رَاوِيَةُ كُتُبِي فَعَاشَ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً حَتَّى صَارَتْ الرَّوَاحِلُ تُشَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِسَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَعَ هَذَا قَالَ: وَدِدْتُ أَنْ لَوْ أُخِذَ عَنِّي هَذَا الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُجَابَ الدَّعْوَةِ لَا تُعْرَفُ لَهُ كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ. وَمِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْوَافِرُ

أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْت نَفْسِي ... فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طَمِعَتْ تَهُونُ

وَأَحْيَيْتُ الْقُنُوعَ وَكَانَ مَيْتًا ... فَفِي إحْيَائِهِ عِرْضِي مَصُونُ

إذَا طَمَعٌ يَحُلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ ... عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وَعَلَاهُ هُونُ

قَوْلُهُ: الْكَامِلُ

مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ ... فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِكَ

وَإِذَا قَصَدْتَ لِحَاجَةٍ ... فَاقْصِدْ لِمُعْتَرِفٍ بِقَدْرِكَ

وَقَدْ أَفْرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَشْعَارِهِ كُتُبًا مَشْهُورَةً، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَلَلِ لَشَحَنْت كِتَابِي هَذَا مِنْهَا بِأَبْوَابٍ.

(وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ أَوْ الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ) الْجَدِيدُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015