لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ الْحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنْ الصَّفِّ أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ فَلَا سَلَبَ، وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ وَاحِدَةً مِنْهَا أَوْ يُقْرِعُ.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَائِدَهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَقَالَ يَقُودُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ يَقُودُهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ سَلَبًا كَسَائِرِ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مَعَهُ جَنَائِبُ اسْتَحَقَّ وَاحِدَةً، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجَنَائِبَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ عَدَدٍ يَقُودُونَهَا (لَا حَقِيبَةٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وِعَاءٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَتَاعُ وَيُجْعَلُ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ (مَشْدُودَة عَلَى الْفَرَسِ) فَلَا يَأْخُذُهَا وَلَا مَا فِيهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَمْتِعَةِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا مِنْ حِلْيَتِهِ وَلَا حِلْيَةِ فَرَسِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ كَالْجَنِيبَةِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا لِأَنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى فَرَسِهِ لِتَوَقُّعِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا.

(وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ) الْقَاتِلُ السَّلَبَ (بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ) أَيْ بِرُكُوبِ الْغَرَرِ (شَرَّ كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ مُشْتَغِلٍ بِالْقِتَالِ (فِي حَالِ الْحَرْبِ) هَذِهِ قُيُودٌ ثَلَاثَةٌ فُرِّعَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ) رُمِيَ (مِنْ الصَّفِّ) الَّذِينَ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ قَتَلَ) كَافِرًا (نَائِمًا) أَوْ مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ (وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ) الْمُحَارِبُونَ غَيْرَ مُتَحَيِّزِينَ لِقِتَالٍ أَوْ إلَى فِئَةٍ (فَلَا سَلَبَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَطَرِ وَالتَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَثْخَنَهُ فَتَيَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ حَيْثُ صَبَرَ فِي مُقَاتَلَتِهِ حَتَّى عَقَرَهُ الْكَلْبُ اهـ.

وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَغْرَى بِهِ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ وَالْمَقِيسَ يَمْلِكُ السَّلَبَ فَهُوَ لِلْمَجْنُونِ وَلِمَالِكِ الرَّقِيقِ لَا لِآمِرِهِمَا، فَإِنْ أَغْرَى الْكَلْبَ بَلَا مُقَاتَلَةٍ كَرَامِي السَّهْمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. أَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا لِقِتَالٍ أَوْ فِئَةٍ فَحُكْمُ الْقِتَالِ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ، عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ مِنْ وَرَاءِ الصَّفِّ، وَكَذَا كَتَبَهَا الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ فِي الْمِنْهَاجِ. ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى لَفْظَةِ وَرَاءَ، وَالصُّورَتَانِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَأَتَى الْمِنْهَاجُ بِمَا لَيْسَ فِي أَصْلِهِ لِكَوْنِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا فِي أَصْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ لَا يَلْتَزِمُ فِي الِاخْتِصَارِ الْإِتْيَانَ بِمَعْنَى الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَقَوْلُهُ: انْهَزَمَ الْكُفَّارُ يُفْهَمُ أَنَّ انْهِزَامَ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ فَقَتَلَهُ فِي إدْبَارِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لِمُثْخِنِهِ كَمَا مَرَّ دُونَ قَاتِلِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنَاطَ كِفَايَةُ شَرِّهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015