وَمِنْهَا أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ مِثْلِهَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ.
فَلَوْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ: احْمِلْهَا إلَى بَيْتِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا نَظَرَ إلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ شَنِيعَةٌ: ضَادُ الضَّمَانِ، وَطَاءُ الطَّلَاقِ، وَوَاوُ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْ هَذَا فِي يَمِينِكَ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ضَمِنَ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ أَكْثَرَ غَالِبًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءٌ.
(وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ يَضَعَهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا) وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ إخْفَاءَهَا؛ لِأَنَّ الْوَدَائِعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا (أَوْ يَدُلُّ) بِضَمِّ الدَّالِ (عَلَيْهَا سَارِقًا) بِأَنْ يُعَيِّنَ لَهُ مَكَانَهَا وَتَضِيعُ بِالسَّرِقَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ) يَدُلُّ عَلَيْهَا (مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ) فِيهَا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَهُ بِهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِهَا هُوَ وَغَيْرُهُ لَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ هُوَ الضَّمَانُ لِمَا مَرَّ
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْلَمَ الْمُصَادِرَ بِهَا مُكْرَهًا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْهُ بِأَنَّ الْوَدِيعَ الْتَزَمَ الْحِفْظَ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى قَرَارِ الضَّمَانِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا حَصْرُ التَّضْيِيعِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مِنْهُ الضَّيَاعُ بِالنِّسْيَانِ، وَمِنْهُ دَفْنُهَا فِي حِرْزٍ ثُمَّ يَنْسَاهُ. وَمِنْهُ مَا لَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَ الْوَدِيعَةَ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمَالِكُ لِلْوَدِيعَةِ ظَرْفًا مِنْ ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا الْوَدِيعُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْهَا وَهُوَ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ وَدِيعَتَانِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا فِي حِرْزٍ وَالْآخَرِ فِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي دُونَ الْمُعَيَّنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَتْ الظُّرُوفُ لِلْوَدِيعِ فَكَالْبُيُوتِ فِيمَا مَرَّ فِيهَا، وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ دُخُولِ أَحَدٍ عَلَيْهَا، أَوْ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ عَلَى حِفْظِهَا بِحَارِثٍ، أَوْ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهَا فَخَالَفَهُ فِيهِ ضَمِنَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا الدَّاخِلُ عَلَيْهَا أَوْ الْحَارِسُ لَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ أَوْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ فَلَا ضَمَانَ، فَقَوْلُ الْعَبَّادِيِّ: وَلَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَك لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ وَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَهَا مِنْ حِفْظِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ.
(فَلَوْ أَكْرَهَهُ) أَيْ الْوَدِيعَ (ظَالِمٌ) عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ (حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ الْوَدِيعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَسْلِيمِهِ وَالضَّمَانُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاخْتِيَارُ وَالِاضْطِرَارُ (ثُمَّ يَرْجِعُ) الْوَدِيعُ (عَلَى الظَّالِمِ) لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: