وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ إيصَاءٌ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوِلَايَةُ غَيْرِهِمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ لَمْ تُعَدَّ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ، وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ كَالْفِسْقِ فِي الِانْعِزَالِ بِهِ، فَلَوْ أَفَاقَ غَيْرُ الْأَصِيلِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ تُعَدَّ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْأَصِيلِ تَعُودُ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِلَا تَفْوِيضٍ، وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ أَفَاقَ الْإِمَامُ وَقَدْ وُلِّيَ آخَرُ بَدَلَهُ نَفَذَتْ تَوْلِيَتُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا فَيُوَلَّى الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ وَلَا تَعُودُ إمَامَتُهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصِي فَقَالَ (وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ) مُخْتَارٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تَنْفِيذٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَيْنَ الْفَاءِ وَالذَّالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ تَنْفُذُ بِلَا تَحْتَانِيَّةٍ مَضْمُومُ الْفَاءِ وَالذَّالِ بَعْدَ دَائِرَةٍ أَيْ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَصِحُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا قَوْلُهُ مِنْ إلَخْ فَصَارَ كَلَامُهُ حِينَئِذٍ مُشْتَمِلًا عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْأُخْرَى نُفُوذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مَحْذُورَاتٌ: إحْدَاهَا: التَّكْرَارُ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَا فَائِدَةَ لِلْحُكْمِ ثَانِيًا بِصِحَّتِهَا.

ثَانِيهَا: صَيْرُورَةُ الْكَلَامِ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَنْفُذُ.

ثَالِثُهَا: مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ اسْتِثْنَاءُ السَّكْرَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ عَلَى رَأْيِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَهُ، وَيَصِحُّ إيصَاؤُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا صَحَّحْنَا وَصِيَّتَهُ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ شَخْصٍ لِتَنْفِيذِهَا.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَمَنْعُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ أَوْ وَلِيُّهُ اهـ.

وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: يَنْبَغِي إضَافَةُ الرُّشْدِ إلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيصَاءُ الْفَاسِقِ فِيمَا تَرَكَهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَسْلُوبُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُوصِي (فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَالْمَجَانِينِ، وَكَذَا السُّفَهَاءُ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ (مَعَ هَذَا) السَّابِقِ مِنْ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ الْمُوصَى (وِلَايَةٌ) مُبْتَدَأَةٌ مِنْ الشَّرْعِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ ذِكْرٍ لَا بِتَفْوِيضٍ فَتَثْبُتُ الْوِصَايَةُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَخْرُجُ الْأَخُ، وَالْعَمُّ، وَالْوَصِيُّ، وَالْقَيِّمُ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمُ دُونَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَتَخْرُجُ الْأُمُّ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ) فِي وَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بِأَنْ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ (إيصَاءٌ) إلَى غَيْرِهِ، إذْ الْوَلِيُّ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ الثَّانِي، وَقِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ (فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ الْمُوصِي، أَوْ مُطْلَقًا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لَكِنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ إنَّمَا يُوصِي عَنْ الْمُوصِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015