وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَشَرْطُ رُجُوعِهِ بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ الْمُتَّهَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَقُّ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْأَكْبَرُ مِنْ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ» .
(وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ) عَلَى التَّرَاخِي (فِي هِبَةِ وَلَدِهِ) الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا لِبَعْضِهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى مِنْ دُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ (وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ.
وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأَبِ مُسْتَدِلًّا بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقُصِرَ الْوَالِدُ عَلَى الْأَبِ وَعَمَّمَهُ الْأَوَّلُ، وَعَبْدُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِعَبْدِ الْوَلَدِ هِبَةٌ لِلْوَلَدِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. نَعَمْ إنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَقَدْ بَانَ بِآخِرِ الْأَمْرِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَلَدِ فَهُوَ كَهِبَةِ اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ ثُمَّ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِثُبُوتِ بُنُوَّتِهِ، وَهِبَتُهُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا لِوَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ الْوَلَدُ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ، وَإِنَّمَا وَرِثَهُ جَدُّ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ الْجَدُّ الْحَائِزُ لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُورَثُ وَحْدَهَا إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ. وَيُكْرَهُ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِأَوْلَادِهِ إنْ عَدَلَ بَيْنَهُمْ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يَسْتَعِينُوا بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُكْرَهُ، وَهَلْ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَالْهِبَةِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْإِعْطَاءِ. وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ: أَوْجَهُهُمَا الْكَرَاهَةُ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا. أَمَّا الْهِبَةُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَهِبَةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي هِبَةِ الْأَعْيَانِ. أَمَّا لَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ جَزْمًا، سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ أَمْ إسْقَاطٌ، إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ.
(وَشَرْطُ رُجُوعِهِ) أَيْ الْأَبِ أَوْ أَحَدِ سَائِرِ الْأُصُولِ (بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ) أَيْ وِلَايَةِ (الْمُتَّهَبِ) وَهُوَ الْوَلَدُ، وَيَدْخُلُ فِي السَّلْطَنَةِ مَا لَوْ أَبِقَ الْمَوْهُوبُ أَوْ غَصَبَ فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا، وَيَخْرُجُ بِهَا مَا لَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ أَوْ أَفْلَسَ الْمُتَّهَبُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا. نَعَمْ إنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَأَرْجِعُ مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّهُ