وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ.
وَلَوْ قَالَ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك فَهِيَ هِبَةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَخْصَيْنِ نِصْفَ مَا وَهَبَ لَهُمَا وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا، كَمَا قَالَ شَيْخِي تَبَعًا لِبَعْضِ الْيَمَانِيِّينَ الصِّحَّةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. إنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَيْسَ بِقَادِحٍ.
(وَلَا يُشْتَرَطَانِ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ (فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ (بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا) أَيْ الْمُهْدِي، وَيَكُونُ كَالْإِيجَابِ (وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ) أَيْ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَيَكُونُ كَالْقَبُولِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ، وَقَدْ أَهْدَى الْمُلُوكُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِسْوَةَ وَالدَّوَابَّ وَالْجَوَارِيَ كَمَا مَرَّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ» - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطَانِ كَالْهِبَةِ، وَحُمِلَ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى الْإِبَاحَةِ رُدَّ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي الْمَبْعُوثِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ. وَالْفُرُوجُ لَا تُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ.
تَنْبِيهٌ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ احْتِيَاجِ الصَّدَقَةِ إلَى الصِّيغَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ افْتِقَارِهَا إلَيْهَا قَطْعًا. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ كَلَامُهُ إنَّمَا يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْهَدِيَّةَ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِبَةِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ الْهِبَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا الْهِبَةُ الْعَامَّةُ الْمُرَادَةُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَوْلُهُ لَفْظًا تَأْكِيدٌ وَنَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ الْبَاءِ.
فَرْعٌ لَوْ خَتَنَ شَخْصٌ وَلَدَهُ وَاتَّخَذَ دَعْوَةً، فَأُهْدِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ أَصْحَابَ الْهَدَايَا الِابْنُ وَلَا الْأَبُ، حُكِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِلِابْنِ وَصَحَّحَهُ الْعَبَّادِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَالثَّانِي وَيُحْكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ أَقْوَى وَأَصَحُّ أَنَّهَا لِلْأَبِ، وَلَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غَرْسِهِ: غَرَسْته لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته لَهُ صَارَ مِلْكَهُ: أَيْ إذَا قَبِلَهُ لَهُ كَمَا مَرَّ.
وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الصِّيغَةِ وَتَوْقِيتُهَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ: أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ) مَثَلًا: أَيْ جَعَلْتُهَا لَك عُمْرَك أَوْ حَيَاتَك أَوْ مَا عِشْت أَوْ حَيِيت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَإِذَا مِتَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ (فَهِيَ لِوَرَثَتِك) أَوْ لِعَقِبِك كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (فَهِيَ هِبَةٌ) حُكْمًا، وَلَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَيُعْتَبَرُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا مَاتَ كَانَتْ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَعُودُ لِلْوَاهِبِ بِحَالٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَيُّمَا رَجُلٍ