وَالْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَلَهُمْ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ.
(وَالْقَنَاةُ) أَوْ الْعَيْنُ (الْمُشْتَرَكَةُ) بَيْنَ جَمَاعَةٍ (يُقْسَمُ مَاؤُهَا) عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهُمْ (بِنَصْبِ خَشَبَةٍ) مُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ مَوْضُوعَةٍ بِمُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ (فِي عُرْضِ النَّهْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِنَصْبِ (فِيهَا ثُقَبٌ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ، وَلَوْ قُرِئَتْ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ جَازَ (مُتَسَاوِيَةٌ) تِلْكَ الثُّقَبِ (أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ) مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ، فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ النِّصْفُ وَلِآخَرَ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ جَعَلَ فِيهَا سِتَّ ثُقَبٍ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ وَاحِدٌ، وَيَجُوزُ تَسَاوِي الثُّقَبِ مَعَ تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ، كَأَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ ثُقْبَةً وَالْآخَرُ ثُقْبَتَيْنِ، هَذَا إنْ عَلِمَ قَدْرَ الْحِصَصِ، فَإِنْ جَهِلَ قَسَّمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَيَصْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَصِيبِهِ مَا شَاءَ. لَكِنْ لَا يَسُوقُهُ لِأَرْضٍ لَا شُرْبَ لَهَا مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا شُرْبًا لَمْ يَكُنْ. أَمَّا إذَا اتَّسَعَ مَاءُ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِكُلٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِمَا ذُكِرَ (وَلَهُمْ) أَيْ: الشُّرَكَاءِ (الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً) وَهِيَ أَمْرٌ يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ، وَيَسْتَأْنِسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَكَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ قَبْل أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ نَوْبَتَهُ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنْ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ نَوْبَتَهُ فِيهَا، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمْ مِنْ تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ وَمِنْ تَضْيِيقِهِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ، وَمِنْ إجْرَاءِ مَاءٍ يَمْلِكُهُ فِيهِ، وَمِنْ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهِ، وَمَنْ غَرَسَ شَجَرًا عَلَى حَافَتِهِ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَعِمَارَتُهُ بِحَسَبِ الْمِلْكِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مُهَايَأَةً مَنْصُوبٌ إمَّا عَلَى الْحَالِ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْحَالِ مِنْهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ: وَيُقْسَمُ مُهَايَأَةً، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقِسْمَةِ فَاعِلَةً بِالظَّرْفِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ عَمَلَ الْجَارِّ بِلَا اعْتِمَادٍ وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ، وَعَلَيْهِ فَنَصْبُ مُهَايَأَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ الْفَاعِلِ.