شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ وَالطَّاعَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً: أَيْ: أَصَالَةً، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ بِوُجُوبِ إعَارَةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا كَتَبَ صَاحِبُهَا اسْمَ مَنْ سَمِعَهُ لِيَكْتُبَ نُسْخَةَ السَّمَاعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا، بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إذَا كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً، وَقَدْ تُحَرَّمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَإِعَارَةِ الْغِلْمَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطِ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ.
وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُبَيِّنًا لِشَرْطِهِ فَقَالَ: وَ (شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ جَوَازُ إعَارَةِ السَّفِيهِ بَدَنَ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَالِهِ عَنْهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: تَبَرُّعٌ نَاجِزٌ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ عَارِيَّتُهُ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُعِيرُ الْعَيْنَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعَارَةِ تَعْطِيلٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا كَإِعَارَةِ الدَّارِ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَّا، فَيَمْتَنِعُ (وَ) شُرِطَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا (مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَقَيَّدَ