وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ، فَإِنْ قَالَ بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا وَجَبَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا، إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ، وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ إلْزَامُهُ حَتَّى يُرَاجَعَ وَيُقِرَّ ثَانِيًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَبُولُ إقْرَارِهِ حَالَ الضَّرْبِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُكْرَهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ وَقَبُولُ إقْرَارِهِ بَعْد الضَّرْبِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعَادَةُ الضَّرْبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْوُلَاةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَأْتِيهِمْ مَنْ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ، وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ، سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا اهـ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَادِفُ مَحَلَّهُ وَصِدْقُهُ مُحْتَمَلٌ وَبِهَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا عَقِبَ النِّكَاحِ لِغَيْرِهَا أَوْ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْخُلْع عَقِبَ الْمُخَالَعَةِ لِغَيْرِهِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ عَقِبَ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ صِدْقَ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ وَالْحُكُومَةَ وَالْمَهْرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَأُجْرَةُ بَدَنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الثَّلَاثِ فَالْحُكُومَةُ تَرْجِعُ إلَى الْأَرْشِ وَالْمُتْعَةُ وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ يَرْجِعُ إلَى الصَّدَاقِ. وَأَمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِأُجْرَةِ بَدَنِ الْحُرِّ فَمَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحُرَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَجَّرَ بَدَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ وَكَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي إجَارَةِ نَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَقِبَ عِتْقِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمَالَ (فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ) أَوْ لِدَابَّةِ فُلَانٍ (عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ فِي الْحَال وَلَا فِي الْمَآلِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا تَعَاطِي السَّبَبِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مُمْكِنٍ كَالْإِقْرَارِ بِمَالٍ مِنْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمَمْلُوكَةِ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِخَيْلٍ مُسَبَّلَةٍ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَالْإِقْرَارِ لِمَقْبَرَةٍ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَّةٍ وُقِفَ عَلَيْهَا أَوْ وَصِيَّةٍ لَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (فَإِنْ قَالَ) عَلَيَّ (بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا) كَذَا (وَجَبَ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِلْمَالِكِ لَا لَهَا، وَهِيَ السَّبَبُ: إمَّا بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وَإِمَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِمَالِكِهَا حِينَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ