قَدْ قَدِمَ سُلَيْمًا مِنْ يَوْمِ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ فَجَعَلَهُمْ مُقَدّمَةَ الْخَيْلِ، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى مُقَدّمَتِهِ حَتّى وَرَدَ الْجِعِرّانَةِ.
قَالُوا: وَانْحَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ، وَقَدْ مَضَتْ مُقَدّمَتُهُ وَهُوَ عَلَى تَعْبِئَةٍ فِي وَادِي حُنَيْنٍ، فَانْحَدَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحِدَارًا- وَهُوَ وَادٍ حُدُورٌ [ (?) ]- وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر وَالْبَيْضَةَ، وَاسْتَقْبَلَ الصّفُوفَ، وَطَافَ عَلَيْهَا بَعْضَهَا خَلْفَ بَعْضٍ يَنْحَدِرُونَ فِي الْوَادِي، فَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَبَشّرَهُمْ بِالْفَتْحِ إنْ صَدَقُوا وَصَبَرُوا، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ يَنْحَدِرُونَ فِي غَلَسِ [ (?) ] الصّبْحِ.
فَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَمّا انْتَهَيْنَا إلَى وَادِي حُنَيْنٍ- وَهُوَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ لَهُ مَضَايِقُ وَشِعَابٌ- فَاسْتَقْبَلْنَا مِنْ هَوَازِنَ شَيْءٌ، لَا وَاَللهِ مَا رَأَيْت مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ قَطّ مِنْ السّوَادِ وَالْكَثْرَةِ! قَدْ سَاقُوا نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ ثُمّ صَفّوا صُفُوفًا، فَجَعَلُوا النّسَاءَ فَوْقَ الْإِبِلِ وَرَاءَ صُفُوفِ الرّجَالِ، ثُمّ جَاءُوا بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَجَعَلُوهَا وَرَاءَ ذَلِكَ، لِئَلّا يَفِرّوا بِزَعْمِهِمْ. فَلَمّا رَأَيْنَا ذَلِكَ السّوَادَ حَسِبْنَاهُ رِجَالًا كُلّهُمْ، فَلَمّا تَحَدّرْنَا فِي الْوَادِي، فَبَيْنَا نَحْنُ فِيهِ غَلَسَ الصّبْحُ، إنْ شَعَرْنَا إلّا بِالْكَتَائِبِ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا مِنْ مَضِيقِ الْوَادِي وَشِعْبِهِ فَحَمَلُوا حَمَلَةً وَاحِدَةً، فَانْكَشَفَ أَوّلُ الْخَيْلِ- خَيْلِ سُلَيْمٍ- مُوَلّيَةً فَوَلّوْا، وَتَبِعَهُمْ أَهْلُ مَكّةَ وَتَبِعَهُمْ النّاسُ مُنْهَزِمِينَ، مَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ.
قَالَ أَنَسٌ: فَسَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أنصار الله وأنصار