عَدَلَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَسَلَكَ عَلَى الْعَصَبَةِ حَتّى طَرَقَ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ، وَكَانَ كَعْبٌ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهَا.
فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ يُحَدّثُ يَقُولُ: كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ رَجُلًا مَشْئُومًا، هُوَ شَأْمُ بَنِي النّضِيرِ قَوْمُهُ، وَشَأْمُ قُرَيْظَةَ حَتّى قُتِلُوا، وَكَانَ يُحِبّ الرّئَاسَةَ وَالشّرَفَ عَلَيْهِمْ، وَلَهُ فِي قُرَيْشٍ شَبَهٌ- أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ.
فَلَمّا أَتَى حُيَيّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ كَرِهَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ دُخُولَهُ دَارَهُمْ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ، فَقَالَ لَهُ حُيَيّ: قَدْ جِئْتُك بِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ مُحَمّدٍ، هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ حَلّتْ وَادِي الْعَقِيقِ، وَغَطَفَانَ بِالزّغَابَةِ. قَالَ غَزَالٌ: جِئْتنَا وَاَللهِ بِذُلّ الدّهْرِ! قَالَ حُيَيّ: لَا تَقُلْ هَذَا! ثُمّ وُجّهَ إلَى بَابِ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ فَدَقّ عَلَيْهِ، فَعَرَفَهُ كَعْبٌ وَقَالَ:
مَا أَصْنَعُ بِدُخُولِ حُيَيّ عَلَيّ، رَجُلٌ مَشْئُومٌ قَدْ شَأَمَ قَوْمَهُ، وَهُوَ الْآنَ يَدْعُونِي إلَى نَقْضِ الْعَهْدِ! قَالَ: فَدَقّ عَلَيْهِ، فَقَالَ كَعْبٌ: إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٍ قَدْ شَأَمْت قَوْمَك حَتّى أَهْلَكْتهمْ، فَارْجِعْ عَنّا فَإِنّك إنّمَا تُرِيدُ هَلَاكِي وَهَلَاكَ قَوْمِي! فَأَبَى حُيَيّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا حُيَيّ، إنّي عَاقَدْتُ مُحَمّدًا وَعَاهَدْته، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إلّا صِدْقًا، وَاَللهِ، مَا أَخْفَرَ [ (?) ] لَنَا ذِمّةً وَلَا هَتَكَ لَنَا سِتْرًا، وَلَقَدْ أَحْسَنَ جِوَارَنَا. فَقَالَ حُيَيّ: وَيْحَك! إنّي قَدْ جِئْتُك بِبَحْرِ طَامٍ وَبِعَزّ الدّهْرِ، جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، وَجِئْتُك بِكِنَانَةَ حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِرُومَةَ، وَجِئْتُك بِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِالزّغَابَةِ إلَى نَقْمَى [ (?) ] ، قَدْ قَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ، وَالْعَدَدُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَالْخَيْلُ أَلْفُ فَرَسٍ، وَسِلَاحٌ كَثِيرٌ، وَمُحَمّدٌ لَا يفلت فى فورنا هذا، وقد تعاقدوا