وَيُقَالُ: لَمْ يَشْعُرْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ إلّا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ طَلَعَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ، وَكَانُوا فِي حَرّ شَدِيدٍ، وَكَانَ لَا يَرُوحُ حَتّى يُبْرِدَ، إلّا أَنّهُ لَمّا جَاءَهُ خَبَرُ ابْنِ أُبَيّ رَحَلَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ. فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: السّلَامُ عَلَيْك أَيّهَا النّبِيّ وَرَحْمَةُ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَلَيْك السّلَامُ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ رَحَلْت فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرْحَلُ فِيهَا! وَيُقَالُ لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ- قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجْت فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرُوحُ فِيهَا! فَقَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: أو لم يَبْلُغْكُمْ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ؟ قَالَ: أَيّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ابْنُ أُبَيّ، زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ!
قَالَ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ تُخْرِجُهُ إنْ شِئْت، فَهُوَ الْأَذَلّ وَأَنْتَ الْأَعَزّ، وَالْعِزّةُ لِلّهِ وَلَك وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
ثُمّ قَالَ: يَا رسول الله، ارفق به فو الله لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِك، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيُنَظّمُونَ لَهُ الْخَرَزَ، مَا بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ إلّا خَرَزَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ يُوشَعَ الْيَهُودِيّ، قَدْ أَرّبَ [ (?) ] بِهِمْ فِيهَا لِمَعْرِفَتِهِ بِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا لِيُتَوّجُوهُ، فَجَاءَ اللهُ بِك عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا يَرَى إلّا قَدْ سَلَبَتْهُ مُلْكَهُ.
قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ مِنْ يَوْمِهِ ذلك، وزيد ابن أَرْقَمَ يُعَارِضُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاحِلَتِهِ، يُرِيهِ وَجْهَهُ فِي الْمَسِيرِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ فَهُوَ مُغِذّ فِي السّيْرِ، إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَمَا هُوَ إلّا إن رأيت رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَأْخُذُهُ الْبُرَحَاءُ وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ، وَتَثْقُلُ يَدَا رَاحِلَتِهِ حَتّى مَا كَادَ يَنْقُلُهَا، عَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إليه، ورجوت أن يكون ينزل