وفي سنة 180 هـ غادر أبو عبد الله المدينة إلى العراق [ (?) ] . فيروى الخطيب البغدادي أن الواقدي قال: كنت حناطا (بائع حنطة) بالمدينة، فى يدي مائة ألف درهم للناس أضراب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد [ (?) ] . أما ابن سعيد فيقول: إنه ذهب إلى العراق في دين لحقه [ (?) ] .
ويبدو أن السبب الحقيقي لنزوحه إلى العراق هو رغبته في لقاء يحيى بن خالد البرمكي، حيث جذبت شخصية الواقدي اهتمام يحيى حين التقيا في الحج بالمدينة، فكأنما أراد الواقدي أن يخرج بعلمه وآماله إلى مجال أرحب، حيث الأضواء تتألق فى بغداد، لؤلؤة الرشيد. ويؤيد هذا ما يذكره ابن سعد في معرض آخر فيقول عن الواقدي: ثم إن الدهر أعضّنا، فقالت لى أم عبد الله: يا أبا عبد الله، ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرّت به الدار، فرحلت من المدينة [ (?) ] . وعند وصوله إلى بغداد، وجد الخليفة والبلاط قد انتقلوا إلى الرقة بالشام، فأزجى مطيته نحو الشام، ولحق بهم هناك [ (?) ] . فتلقاه يحيى بن خالد بما عرف عن البرامكة من سماحة وأريحية.
وفي رحاب البرامكة أقبل الخير على الواقدي من كل وجه، فعطاياهم له موصولة بعطايا الرشيد وابنه المأمون. يحدّثنا الواقدي فيقول: صار إلىّ من السلطان ستمائة ألف درهم، ما وجبت علىّ فيها الزكاة [ (?) ] . ويرجع الواقدي من الرقة إلى بغداد، ويبقى فيها حتى يعود المأمون من خراسان، ويجعله قاضيا لعسكر المهدى في الجانب الشرقي من بغداد، فيما يذكر ابن سعد [ (?) ] .