مغازي الواقدي (صفحة 389)

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا لِلْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِي عُقْرِ دَارِهِ، وَنُصِيبُ مِنْ أَطْرَافِهِ، فإنّ لهم سرحا يرعى جوانب المدينة، وتخرج عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ، فَقَدْ أَرْبَعْنَا [ (?) ] خَيْلَنَا، وَنَخْرُجُ عَلَى النّجَائِبِ الْمَخْبُورَةِ، فَإِنْ أَصَبْنَا نَهْبًا لَمْ نُدْرَك، وَإِنْ لَاقَيْنَا جَمْعَهُمْ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا، مَعَنَا خَيْلٌ وَلَا خَيْلَ مَعَهُمْ، وَمَعَنَا نَجَائِبُ أَمْثَالُ الْخَيْلِ، وَالْقَوْمُ مَنْكُوبُونَ قَدْ أَوْقَعَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ حَدِيثًا، فَهُمْ لَا يَسْتَبِلّونَ دَهْرًا، وَلَا يَثُوبُ لَهُمْ جَمْعٌ. فَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، وَاَللهِ مَا هَذَا بِرَأْيٍ! مَا لَنَا قِبَلَهُمْ وِتْرٌ وَمَا هُمْ نُهْبَةٌ لِمُنْتَهِبٍ، إنّ دَارَنَا لَبَعِيدَةٌ مِنْ يَثْرِبَ وَمَا لَنَا جَمْعٌ كَجَمْعِ قُرَيْشٍ.

مَكَثَتْ قريش دَهْرًا تَسِيرُ فِي الْعَرَبِ تَسْتَنْصِرُهَا وَلَهُمْ وِتْرٌ يَطْلُبُونَهُ، ثُمّ سَارُوا وَقَدْ امْتَطُوا الْإِبِلَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَحَمَلُوا السّلَاحَ مَعَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ- ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ سِوَى أَتْبَاعِهِمْ- وَإِنّمَا جَهْدُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ إنْ كَمُلُوا، فَتُغَرّرُونَ بِأَنْفُسِكُمْ وَتَخْرُجُونَ مِنْ بَلَدِكُمْ، وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ. فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُشَكّكَهُمْ فِي الْمَسِيرِ، وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ. فَخَرَجَ بِهِ الرّجُلُ الّذِي مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ مَا أَخْبَرَ الرّجُلُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَلَمَةَ، فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ الطّائِيّ دَلِيلًا فَأَغَذّوْا [ (?) ] السّيْرَ، وَنَكَبَ بِهِمْ عَنْ سَنَنِ الطّرِيقِ، وَعَارَضَ الطّرِيقَ وَسَارَ بِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَسَبَقُوا الْأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إلَى أَدْنَى قَطَنٍ- مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ، هُوَ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ جَمْعُهُمْ- فَيَجِدُونَ سَرْحًا فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ فَضَمّوهُ، وَأَخَذُوا رِعَاءً لهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015