ومن المحتمل- فى هذا الصدد- أن يكون الواقدي قد أعرض عن الرواية عن ابن إسحاق نظرا لعدم توثيق علماء المدينة له.
ولكن الرأى الراجح عندنا فى هذا الترك هو أن ابن إسحاق ترك المدينة قبل أن يولد الواقدي. وكان اللقاء الشخصي بين الرواة من أقوى المظاهر فى تطور السيرة فى القرنين الأول والثاني للهجرة. والدليل على ذلك- كما ذكرنا من قبل- ما أورده ابن حجر فى ترجمة ابن إسحاق بقوله: وكان خرج من المدينة قديما ... ورواته- أى ابن إسحاق- من أهل البلدان أكثر من رواته من أهل المدينة، لم يرو عنه منهم غير إبراهيم بن سعد [ (?) ] .
حقا إن أكثر النقاد من المحدثين الأوائل كانوا يضعفون الواقدي فى الحديث، فقد قال البخاري، والرازي، والنسائي، والدارقطني: إنه متروك الحديث. ولكن آراء المحدثين لم تكن ضد الواقدي بالإجماع، فإن منهم من وصفه بأوصاف لا تقل قدرا عما وصف به الثقات، فقد وصفه الحافظ الدراوردي بأنه: أمير المؤمنين فى الحديث. وقال يزيد بن هارون: الواقدي ثقة. ووثقه أبو عبيد القاسم بن سلام، وكذلك أبو بكر الصغاني، ومصعب الزبيري، ومجاهد بن موسى، والمسيب، وإبراهيم الحربي [ (?) ] .
ومع أن أغلب العلماء ينكرونه فى الحديث، فإنه- بغير شك- يعتبر إماما فى المغازي. قال ابن النديم: كان عالما بالمغازى والسير والفتوح واختلاف الناس فى الحديث والفقه والأحكام والأخبار [ (?) ] .
وبمثل ذلك ذكره ابن سعد [ (?) ] . وقال إبراهيم الحربي: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام [ (?) ] . ونجد فى تاريخ بغداد أقوالا تدل على عظم قدر الواقدي فى علم المغازي والسير.