مروان: أما بعد، فإنه- يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم- لما دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيهم، وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه، واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال لهم، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل، فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رءوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من أَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الإسلام فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثنى عليه، مع ذلك صلاح- وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغا من الرزق، وأمنا ومتجرا حسنا- فأمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنوات، يشتدون على من أسلم منهم. ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم [ (?) ] .
وليس لدينا دليل على أن عروة قد كتب كتابا خاصا بسيرة النبي ولكن كثرة النقول عنه عند ابن إسحاق والواقدي تدل بصورة قاطعة على أنه- أى عروة- هو أول من دوّن السيرة بشكلها الذي عرف فيما بعد.
وأما وهب بن منبه فقد ولد فى اليمن، ومع أنه قد زار الحجاز، إلا أنه أمضى جميع حياته فى اليمن. ويصفه ياقوت بأنه كان من خيار التابعين، ثقة، صدوقا، كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالإسرائيليات [ (?) ] .
ونسب إليه ابن النديم: «كتاب المبتدأ» [ (?) ] ، ويشير هذا القول إلى احتمال التشابه بين هذا الكتاب وبين القسم الأول من السيرة التي ألفها ابن إسحاق.