فَإِذَا فِي كِتَابِهِ: أَمّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ صَاحِبَك قَدْ جَفَاك وَلَمْ يَجْعَلْك اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِك [ (?) ] . قَالَ كَعْبٌ: فَقُلْت حِينَ قَرَأْته: وَهَذَا مِنْ الْبَلَاءِ أَيْضًا، قَدْ بَلَغَ مِنّي مَا وَقَعْت فِيهِ أَنْ طَمِعَ فِيّ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ. فَذَهَبْت بِهَا إلَى تَنّورٍ فَسَجّرْتُهُ [ (?) ] بِهَا، وَأَقَمْنَا عَلَى ذَلِكَ حَتّى إذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ ليلة من الخمسين إذا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَك. فَقُلْت:
أُطَلّقُهَا أَمْ مَاذَا؟ قَالَ: بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبْهَا. وَكَانَ الرّسُولُ إلَيّ، وَإِلَى هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ، ومرارة بن الرّبيع، خزيمة بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ كَعْبٌ: فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِك، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ.
وَأَمّا هِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ فَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، فَبَكَى حَتّى إنْ كَانَ يُرَى أَنّهُ هَالِكٌ مِنْ الْبُكَاءِ، وَامْتَنَعَ مِنْ الطّعَامِ، فَإِنْ كَانَ يُوَاصِلُ الْيَوْمَيْنِ ولثلاثة مِنْ الصّوْمِ مَا يَذُوقُ طَعَامًا، إلّا أَنْ يَشْرَبَ الشّرْبَةَ مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِنْ اللّبَنِ، وَيُصَلّيَ اللّيْلَ وَيَجْلِسَ فِي بَيْتِهِ لَا يَخْرُجُ، لِأَنّ أَحَدًا لَا يُكَلّمُهُ، حَتّى إنْ كَانَ الْوِلْدَانُ لَيَهْجُرُونَهُ لِطَاعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ هِلَالَ بْنَ أُمَيّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ، لَا خَادِمَ لَهُ، وَأَنَا أَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِي، فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تَدَعَنِي أَنْ أَخْدُمَهُ فَعَلْت. قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا تَدَعِيهِ يَصِلُ إلَيْك.
فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إلَيّ! وَاَللهِ، مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ يَوْمَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إلَى يَوْمِهِ هَذَا، وَإِنّ لِحْيَتَهُ لَتَقْطُرُ دُمُوعًا اللّيْلَ وَالنّهَارَ، وَلَقَدْ ظَهَرَ الْبَيَاضُ عَلَى عَيْنَيْهِ حَتّى تَخَوّفْت أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ. قَالَ كعب: فقال