فَيَلْحَظُهُمْ الْمُسْلِمُونَ بِأَبْصَارِهِمْ، فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَرَادُوا مَسْجِدًا يَكُونُونَ فِيهِ لَا يَغْشَاهُمْ فِيهِ إلّا مَنْ يُرِيدُونَ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِمْ. فَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يَقُولُ: لَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ مِرْبَدَكُمْ [ (?) ] هَذَا! وَذَاكَ أَنّ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ يَلْحَظُونَنِي وَيَنَالُونَ مِنّي مَا أَكْرَهُ. [قَالُوا:] نَحْنُ نَبْنِي مَسْجِدًا تَتَحَدّثُ فِيهِ عِنْدَنَا.
قَالُوا: قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمّا بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَجّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي [بَثّي] [ (?) ] فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ:
بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، حَتّى رُبّمَا ذَكَرْته لِلْخَادِمِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَنِي شَيْءٌ أَسْتَرِيحُ إلَيْهِ، فَلَمّا قِيلَ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلّ قَادِمًا، زَاحَ عَنّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْت أَنّي لَا أَنْجُو مِنْهُ إلّا بِالصّدْقِ، فَأَجْمَعْت أَنْ أَصْدُقَهُ. وَصَبّحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فركع فيه ركعتين ثم جالس لِلنّاسِ، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ فَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَأَيْمَانَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللهِ تَعَالَى.
وَيُقَالُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ كَعْبٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ خَرَجَ عَامّةُ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا تَخَلّفُوا عَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُكَلّمُوا أَحَدًا مِنْهُمْ تَخَلّفَ عَنّا وَلَا تُجَالِسُوهُ حَتّى آذَنَ لَكُمْ.
فَلَمْ يُكَلّمُوهُمْ، فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَاءَهُ المعذّرون يحلفون له، وأعرض عَنْهُمْ، وَأَعْرَضَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْهُمْ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيُعْرِضُ عَنْ أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَمّهِ. فَجَعَلُوا يَأْتُونَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ بالحمّى