ابن الْحَارِثِ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّا رُسُلُ مَنْ خَلْفَنَا مِنْ أَصْحَابِنَا، إنّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْقِلّةِ وَالْحَاجَةِ، وَاللّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ، وَاللّيْلَةِ الشّاتِيَةِ، وَنَحْنُ نُحِبّ أَنْ تَأْتِيَنَا فَتُصَلّيَ بِنَا فِيهِ! وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهّزُ إلَى تَبُوكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغْلٍ، وَلَوْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللهُ أَتَيْنَاكُمْ فَصَلّيْنَا بِكُمْ فِيهِ. فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي أَوَانٍ رَاجِعًا مِنْ تَبُوكَ أَتَاهُ خَبَرُهُ وَخَبَرُ أَهْلِهِ مِنْ السّمَاءِ، وَكَانُوا إنّمَا بَنَوْهُ، قَالُوا بَيْنَهُمْ: يَأْتِينَا أَبُو [ (?) ] عَامِرٍ فَيَتَحَدّثُ عِنْدَنَا فِيهِ، فَإِنّهُ يَقُولُ: لَا أَسْتَطِيعُ آتِيَ مَسْجِدَ بَنِي عَمْرِو بن عوف، إنما أصحاب رسول الله يلحوننا بِأَبْصَارِهِمْ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (?) ] يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ الْعَجْلَانِيّ، وَمَالِكَ بْنَ الدّخْشَمِ السّالِمِيّ، فَقَالَ: انْطَلِقَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ ثم حرّقاه!
فخرجا سريعين على أقدامها حَتّى أَتَيَا مَسْجِدَ بَنِي سَالِمٍ، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ الدّخْشَمِ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيّ:
أَنْظِرْنِي حِينَ أَخْرُجُ إلَيْك بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي. فَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النّخْلِ فَأَشْعَلَ فِيهِ النّارَ. ثُمّ خَرَجَا سَرِيعَيْنِ يَعْدُوَانِ حَتّى انْتَهَيَا إلَيْهِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَهُمْ فِيهِ، وَإِمَامُهُمْ يَوْمَئِذٍ مُجَمّعُ بْنُ جَارِيَةَ [ (?) ] ، فَقَالَ عَاصِمٌ:
مَا أَنْسَى تَشَرّفَهُمْ إلَيْنَا كَأَنّ آذَانَهُمْ آذَانُ السّرْحَانِ [ (?) ] . فَأَحْرَقْنَاهُ حَتّى احْتَرَقَ، وَكَانَ الّذِي ثَبَتَ فِيهِ مِنْ بَيْنِهِمْ زَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ بْنِ عَامِرٍ حَتّى احْتَرَقَتْ أَلْيَتُهُ، فَهَدَمْنَاهُ حَتّى وَضَعْنَاهُ بِالْأَرْضِ. وتفرّقوا.