النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَاءَتْ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ فَاسْتَقَى النّاسُ. ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِك حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا!
قَالُوا: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ [ (?) ] مِنْ مُزَيْنَةَ، وَكَانَ يَتِيمًا لَا مَالَ لَهُ، قَدْ مَاتَ أَبُوهُ فَلَمْ يُوَرّثْهُ شَيْئًا، وَكَانَ عَمّهُ مَيّلًا [ (?) ] ، فَأَخَذَهُ وَكَفَلَهُ حَتّى كَانَ قَدْ أَيْسَرَ، فَكَانَتْ لَهُ إبِلٌ وَغَنَمٌ وَرَقِيقٌ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَتْ نَفْسُهُ تَتُوقُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمّهِ، حَتّى مَضَتْ السّنُونَ وَالْمَشَاهِدُ كُلّهَا.
فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَتْحِ مَكّةَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِعَمّهِ: يَا عَمّ، قَدْ انْتَظَرْت إسْلَامَك فَلَا أَرَاك تُرِيدُ مُحَمّدًا، فَائْذَنْ لِي فِي الْإِسْلَامِ! فَقَالَ: وَاَللهِ، لَئِنْ اتّبَعْت مُحَمّدًا لَا أَتْرُكُ بِيَدِك شَيْئًا كُنْت أَعْطَيْتُكَهُ إلّا نَزَعْته مِنْك حَتّى ثَوْبَيْك. فَقَالَ عَبْدُ الْعُزّى، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ اسْمُهُ: وأنا وَاَللهِ مُتّبِعٌ مُحَمّدًا وَمُسْلِمٌ، وَتَارِكٌ عِبَادَةَ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ، وَهَذَا مَا بِيَدِي فَخُذْهُ! فَأَخَذَ كُلّ مَا أَعْطَاهُ، حَتّى جَرّدَهُ مِنْ إزَارِهِ، فَأَتَى أُمّهُ فَقَطَعَتْ بِجَادًا لَهَا بِاثْنَيْنِ فَائْتَزَرَ بِوَاحِدٍ وَارْتَدَى بِالْآخَرِ، ثُمّ أَقْبَلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ بِوَرِقَانَ- جَبَلٌ مِنْ حِمَى الْمَدِينَةِ- فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ فِي السّحَرِ، ثُمّ صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصّبْحَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَفّحُ النّاسَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الصّبْحِ، فَنَظَرَ إلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْت؟ فَانْتَسَبَ لَهُ، فَقَالَ: أَنْت عَبْدُ اللهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ! ثُمّ قَالَ: انْزِلْ مِنّي قَرِيبًا. فَكَانَ يَكُونُ فِي أَضْيَافِهِ وَيُعَلّمُهُ القرآن، حتى