فَخَرَجَ رَجُلٌ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ النّاسُ: الشّهِيدَ، الشّهِيدَ! فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ- أَوْ إلّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ- وَلَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ عَاصٍ.
وَكَانَ الرّجُلُ طَرَحَهُ بَعِيرُهُ بِالسّوَيْدَاءِ.
قَالُوا: وَجَاءَ نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ عِلّةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ.
وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ، فَلَمْ يَعْذِرْهُمْ اللهُ عَزّ وَجَلّ. هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ إيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ، اثْنَانِ وَثَمَانُونَ رَجُلًا. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ بِعَسْكَرِهِ، فَضَرَبَهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ بِحِذَاءِ ذُبَابٍ، مَعَهُ حُلَفَاؤُهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ مِمّنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ، فَكَانَ
يُقَالُ: لَيْسَ عَسْكَرُ ابْنِ أُبَيّ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ. وَأَقَامَ مَا أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْعَسْكَرِ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُصَلّي بِالنّاسِ، فَلَمّا اسْتَمَدّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّفَرُ، وَأَجْمَعَ الْمَسِيرَ، اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سباع ابن عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ- وَيُقَالُ: مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ- لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ غَزْوَةً غَيْرَ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَكْثِرُوا مِنْ النّعَالِ، فَإِنّ الرّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا دَامَ مُنْتَعِلًا.
فَلَمّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلّفَ ابْنُ أُبَيّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ: يَغْزُو مُحَمّدٌ بَنِي الْأَصْفَرِ، مَعَ جَهْدِ الْحَالِ وَالْحَرّ وَالْبَلَدِ الْبَعِيدِ، إلَى مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ! يَحْسِبُ مُحَمّدٌ أَنّ قِتَالَ بَنِي الْأَصْفَرِ اللّعِبُ؟ وَنَافَقَ مَعَهُ مَنْ [ (?) ] هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ، ثُمّ قَالَ ابْنُ أُبَيّ: وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى