من لا يفهمه؛ كما أخبرنا أحمد بن عليّ الجزريّ إذنًا، عن محمد بن عبد الهادي عن الحافظ أبي طاهر السِلَفيّ، أنبأنا المبارك بن عبد الجبّار، أنَّا عبد الكريم بن محمد المحاملي، أنَّا إسماعيل بن سعد المعدّل، ثنا محمد بن أحمد بن قِطر السمسار، قال: قال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الورّاق: ازدحموا على عيسى ابن عمر النحويّ، وقد سقط عن حماره، وغُشِي عليه. فلمَّا أفاق، وأخذ في الاستواء للجلوس، قال: ما لكم تكأكأتم عليّ، ولا تكأكؤكم على ذي جِنّة، افرنقعوا عني. تكأكأتم: تجمعتم. وافرنقعوا: تنحَّوْا بلغة أهل اليمن. فهذا الرجل كان إمامًا في اللغة، وكانت هذه الحالة منه لا تقتضي أنه يقصد هذه الألفاظ، بل هي دَأبه، فسبق لسانُه إليها، وحُكِي أنه لمَّا ولى يوسف بن عمر العراقيّ أخذ عيسى بن عمر النحوي فطالبه بوديعة ذكر أنَّ ابن هبيرة الوزير أودعه إيَّاها، فأمَرَ بضربه، فقال، والسياط تأخذه: واللَّه إن كانت إلَّا أثيابًا (?) في أسفياط (?)، قبضها عشَّاروك. ولعيسى بن عمر من هذا النمط كثير. وحكي أنَّ عليّ ابن الهيثم كان لِما غلب عليه من ذلك تأتيه العامَّة أفواجًا لسماع كلامه، وأنَّه مرَّ به مَرّة فارسي قد ركبَ حمارًا خلفه جحش، وبيده عِذْق قد ذهب بُسْرُه إلَّا قليلًا، يقودُ به بقرة يتبعها عِجْل لها، فناداه عليّ بن الهيثم: يا صاحب البَيْدَانة القمراءِ، يتلوها تولب بيده شملول، يطَّبِي به خزُومة يقفوها عِجَّوْل، أتقايض بعجولك جُحْجُحًا زَهِمًا؟ قال: فالتفت إليه الفارسيّ، وقال: يا بابا! فارسي هم ندانم. البيدانة: الأتان، والقمراء: البيضاء الوجه، والتَوْلب: ولد الحمار، والشُمْلول: العِذْق ويطبي: يدعو، والخزومة: البقرة الوحشية، والجُحْجُح: الكبش، والزهِم السمين. فهذا عليّ بن الهيثم إن لم يكن قصد المؤانسة لبعض الحاضرين، ولم تكن ندرت منه هذه الألفاظ عن غير قَصْد، فهو خَسِيف العقل. ولا ينكر أنهم يأتون بالألفاظ الغريبة لكثرة استعمالهم لها، وغلبتها على ألسنتهم؛ ظنًّا منهم أن كل أحد يعرفها، وإلَّا فكيف يذكرونها فى وقت لا يظهر فيه لاستعمالها سبب غير ذلك؛ كما سقناه، وكما يحكى أنَّ أبا علقمة الواسطيَّ