إذا قيلَ: هذا منهل قلت: قد أرى ... ولكنَّ نفس الحرِّ تحتملُ الظما

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدمُ من لاقيت، لكن لأُخدما

أأشقى به غرسًا وأجنيه ذلَّةً ... إذًا فاتباع الجهل قد كانَ أحزما

ولو أنَّ أهل العلم صانوهُ صانهم ... ولو عظَّموه في النفوسِ لعُظِّما

فلقد صدق هذا القائل: لو عظِّموا العلم لعظَّمهم. وأنا أقرأُ قوله: لعظَّما بفتح العين فإنَّ العلم إذا عُظِّم يعظم، وهو في نفسه عظيم؛ ولهذا أقول: ولكن أهانوه فهانوا؛ ولكن الرواية فهانَ ولعظم بضمِّ العين، والأحسن ما أشرتُ إليه. وقد نحا شيخ الإسلام تقيُّ الدين بن دقيق العيد رحمه اللَّه تعالى نحو هذه الأبيات فقال:

يقولون لي: هلَّا نهضت إلى العلا ... فما لذَّ عيشُ الصابر المتقنِّع

وهلَّا شددتُ العيسَ حتى تحلَّها (?) ... بمصرٍ إلى ظلِّ الجناب المرفَّع

ففيها من الأعيانِ من فيضِ كفِّه ... إذا شاء روَّى سيله كلَ بَلْقَعِ

وفيها قضاة ليس يخفى عليهم ... تعيّن كون العلم غير مضيعِ

وفيها شيوخ الدين والفضل والألى ... يشير إليهم بالعلا كل إصبعِ

وفيها، وفيها، والمهانة ذلَّة ... فقم واسع واقصد باب رزقك واقرع

فقلت: نعم أسعى إذا شئت أن أُرى ... ذليلًا مهانًا مستخفًّا بموضعي

وأسعى إذا ما لذَّ لي طولُ موقفي ... على باب محجوب اللقاء ممنَّع

وأسعى إذا كان النفاق طريقتي ... أروحُ وأغدو في ثياب التصنعِ

وأسعى إذا لم يبقَ فيَّ بقيَّة ... أراعي بها حقَّ التُّقى والتورُّعِ

فكم بين أرباب الصدور مجالسًا ... تشبُّ بها نارُ الغضي بين أضلُعي

وكم بين أربابِ العلوم وأهلها ... إذا بحثوا في المشكلاتِ بمجمعِ

مناظرةً تُحمي (?) النفوسُ فتنتهي ... وقد شرعوا فيها إلى شر مشرعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015