على حق اللَّه تعالى. قال: ولذلك أسمع دعوى من يدَّعي على تارك صلاة واجبة، وإن لم يدع على وجه الحسبة؛ لأنَّ لكل مسلم فيها حقًّا؛ فيقول: أدَّعى على هذا أنَّه ترك الصلاة الفلانية، أو اعتمد فيها ما يُفسدها، وقد أضرَّ بي في ذلك، فأنا مطالبه بحقِّي. قلت: ولم؟ قال: لأنَّ المصلِّي يقول: السَّلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، والنَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إنَّ المصلِّي إذا قال هذا أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض. قلت: ورأيت للقفَّال ما يقتضي ذلك.
إذا فهمت أيُّها العاقل -وفقنا اللَّه وإياك لمرضاته وأحلَّنا وإياك بكرامته بُحبوحة جناته- ما شرحناه لك، فإذا انزَوت عنك نعمة، فأوَّل متعين عليك، إن كنت باغيًا عَودها، البحث عن سبب انزوائها: بأن تنظر إلى وظيفتك، وتفريطك فيها، بالإخلال بواحدة من وظائف الشكر، وتعلم أنك أُتِيت منها، فتذكرَ ذلك. فمتى ذكرته وكان تعلُّق قلبك بها صادقًا، وعلمت أنَّه السبب في زوالها، ندمت -ولا بد- عليه وتبت عنه. وعقدت النيّة على أنك إن عادت إليك النعمة لم تعد إليه. فإن قلت: لا أذكر تفريطًا، فأنت إذا جاهل. واعلم أنَّ للشيطان وساوس وتخييلات، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنَّ أعدى عدوّ لك نفسُك التي بين جنبيك، وأنهما -أعني نفسك والشيطان- ربَّما أرياك الباطل حقًا، واسترقَاك من حيث لا تدري، واسترقّاك وأنت تظن أنك حر، فاقطع واجزم بأنَّك مفرط لا محالة، واستغفر اللَّه تعالى، واضرع إليه. وإن لم تدر وجه التفريط بخصوصه، فاعلمه على الجملة. ولا يكن عندك شك في أنَّ هناك تفريطًا، فهمته، أم جهلته، وأنك منه أُتِيت. فإنَّك إذا علمت ذلك، وأيقنت به، فهمت أنَّ الحق تعالى عادل فيك، غير ظالم لك، بل محسن إليك، أسداكَ نعمة بلا استحقاق، فما رعيتها حق رعايتها، فزوَاها عنك. فعليك شكر تلك الأيام التي كنت متلبسًا بها فيها، والاستغفار من تفريطك. أَرَأيتَ رجلًا أجلسك في داره يطعمك ويسقيك عشرة أيام، ثم قال لك: انصرف، أيكون مسيئًا إليك، أم محسِنًا؟ إن قلت: مسيئًا إليك، فأنت مجنون؛ فإنَّه لم يكن عليه حق لك، وقد أحسنَ إليك هذه المدة. فبأيّ طريق يجب عليه أن يديمها: وإن قلت: يكون محسنًا، وقد أزالها بلا سبب، فما ظنَّك برب لا يزيل النعمة إلَّا بسببٍ منك! ألست أنت الظالم! حكي أنَّ ملكًا مات له ولد، فأفحش في إظهار الحزن عليه،