التصديق بالمقدمات، والتصديق بصحة الترتيب المنتج لقصور في طباعه وجبلته عن درك هذه النتيجة، لا لكون هذه النتيجة كاذبة لأن ترتيب المقدمات منقول من موضع ساعد الوهم على التصديق بها، فإذن غرضنا في هذا الكتاب أن نأخذ من المحسوسات والضروريات الجبلية معيارا للنظر، حتى إذا نقلناه إلى الغوامض لم نشك في صدق ما يلزم منها. ولعلك الآن تقول: فإن تم للنظار ما ذكرتموه فلم اختلفوا في المعقولات، وهلا اتفقوا عليها اتفاقهم على النظريات الهندسية والحسابية التي يساعد الوهم العقل فيها؟ فجوابك من وجهين: أحدهما أن ما ذكرناه أحد مثارات الضلال لا كلها، ووراء ذلك في النظر في العقليات عقبات مخطرة يعز في العقلاء من يتخطاها فيسلم منها.
وإذا أحطت بمجامع شروط البرهان المنتج لليقين، لم تستبعد أن تقصر قوة أكثر البشر عن درك حقائق المعقولات الخفية.
الثاني: ان القضايا الوهمية لما انقسمت إل ما يصدق وإلى ما يكذب وكانت الكاذبة منها شديدة الشبه بالصادقة، اعترض فيها قضايا إعتاض على النفس تمييزها عن الكاذبة، ولم يقو عليها إلا من أيده الله بتوفيقه وأكرمه بسلوك منهاج الحق بطريقه، فانقسمت العقليات إلى ما هان دركها على الأكثر، وإلى ما استعصى على عقول الجماهير إلا على الشذاذ من أولياء الله تعالى المؤيدين بنور الحق الذين لا تسمح الإعصار الطويلة بوجود الآحاد منهم، فضلا عن العدد الكثير الجم.