لأن ما يجب لغيره فله علة أقدم منه تقدما بالذات لا بالزمان، ويستحيل أن يكون المتقدم بالذات متأخرا بالذات، وهو من حيث أنه علة يجب أن يتقدم بالذات، وهو من حيث أنه معلول يجب أن يتأخر، وذلك محال إذ يلزم منه أن يكون الشيء قبل ما هو قبله بالذات.
الرابع أن واجب الوجود بذاته لا بد أن يكون واجب الوجود من جميع جهاته، حتى لا يكون محلا للحوادث ولا متغيرا، فلا يكون له إرادة منتظرة ولا علم منتظر، ولا صفة من الصفات منتظرة عن وجوده، بل كل ما يمكن أن يكون له فيجب أن يكون حاضرا بذاته متأخرا عن ذاته لازما يمكن أن يكون له ولا يكون له، فإنما يكون حيث يكون لعلة وتنتفي، وحيث ينتفي بعدم ذلك العلة فيكون وجوده في حالتي عدم تلك الصفة ووجودها متعلقا بأمر خارج منه، إما نفي وإما اثبات حتى يستحيل خلوه عنه، فلا يكون واجب الوجود بذاته بل يستحيل ذاته إلا مع نفي تلك الصفة أو وجودها.
ويشترط بحالة الوجود وجود العلة، وبحال العدم إما عدم تلك العلة أو وجود علة معدومة، فلا تخلو ذاتها عن اشتراط شيء غير ذاتها لتصور ذلك بباقي ما فسرنا به واجب الوجود.
هذا ما أردنا أن نذكر من أحكام الوجود وأقسامه ولنقبض عنان البيان عند هذا فإنه خوض في التفصيل، وليس وضع هذا الكتاب لبيان تفاصيل الأمور بل لبيان طريق تعرف حقائق الأمور، وتمهيد قانون النظر وتثقيف معيار العلم ليميز بينه وبين الخيال والظن القريبين منه.