وإما لأنها لا تقصد للإحتجاج، بل تذكر المقدمات تعريفا لها في أنفسها.
إعتمادا على قبول المخاطب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه " وهاتان مقدمتان نتيجتهما أن المرء يحشر علىماعاش عليه، فحالة الحياة هي الحد الأصغر، وحالة الممات هي الحد الأوسط. ومهما ساوت حالة الحشر حالة الموت، وساوت حالة الموت حالة الحياة، فقد ساوت حالة الحشر حالة الحياة.
والمقصود من سياق الكلام تنبيه الخلق على أن الدنيا مزرعة الآخرة، ومنها التزود. ومن لم يكتسب السعادة وهو في الدنيا فلا سبيل له إلى اكتسابها بعد موته، فمن كان في هذه أعمى فهو عند الموت أعمى، أعني عمى البصيرة عن درك الحق والعياذ بالله. ومن كان عند الموت أعمى فهو عند الحشر أعمى كذلك، بل هو أضل سبيلا إذ ما دام الإنسان في الدنيا فله أمل في الطلب، وبعد الموت قد تحقق اليأس.
والمقصود أن الكلمات الجارية في المحاورات كلها أقيسة محرفة غيرت تأليفاتها للتسهيل، فلا ينبغي أن يغفل الإنسان عنها بالنظر إلى الصور، بل ينبغي أن لا يلاحظ إلا الحقائق المعقولة دون الألفاظ المنقولة.