معركه النص (صفحة 63)

فكلُّها مصبوغة بالسياسة، ولم يبقَ ما هو خارج عن تأثير السياسة إلا شيء واحد، وهو ما يكتبه مثل هذا المؤلف والبحوث والأفكار التي يقررها فهي بلا شك بعيدة عن تأثير هذه السياسة التي تبصم على كل شيء!

ومع أن التفسير السياسي هو أكبر الأدوات التفسيرية التي يعتمدها هؤلاء في قراءتهم للتراث، وهو أكثرها شيوعًا وحضورًا إلا أنه في الوقت نفسه أضعف نقطة وأهش زاوية يعتمدون عليها، فنشر نماذج وأمثلة للتفسير السياسي على السطح كافٍ لكشف المستوى الموضوعي والعلمي لتلك الدراسات، وأنَّ هذا التفسير يعبِّر عن حالة مرضية أكثر من تعبيره عن روح علمية.

فأحدهم يقرر تأثير السياسة على الشافعي لأنه: (الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذي تعاون مع الأمويين مختارًا راضيًا) (?). ولشدة ضغط المرض السياسي خفي عليه معرفة مولد الشافعي وهو (سنة 150 هـ) أي بعد زوال الدولة الأموية التي كان يتعاون معها بثمان عشر سنة!

وباحث آخر يفسر الظاهرية التي كان عليها (ابن حزم) بأنها موقف سياسي اتخذه ابن حزم لأجل أن الدولة الأموية بالأندلس تحتاج لمشروع يناهض المشروع الثقافي لخصميها (العباسي) و (العبيدي) فجاءت بابن حزم: (لينطق باسها ويحمل مشروعها الثقافي) (?)، وقد أعماه التفسير السياسي عن إدراك الحقيقة التاريخية الواضحة من أن الدولة الأموية بالأندلس قامت سنة (138 هـ)؛ أي قبل مولد ابن حزم بما يقارب قرنين ونصف من الزمان (ولد سنة 384 هـ) وسقطت (سنة 422 هـ) وابن حزم ما يزال في عز شبابه (ت 456 هـ)!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015