18718 - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " جُمَّاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَالْعَهْدِ كَانَ بِيَمِينٍ أَوْ غَيْرِهَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وَفِي قَوْلِهِ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ فِي الْأَيْمَانِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَذَكَرَ تِلْكَ الْآيَاتِ

18719 - ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ، فَظَاهِرُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ، وَيُشْبِهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَرَادَ أَنْ يُوَفَّى بِكُلِّ عَقْدٍ إِذَا كَانَتْ فِيهِ لِلَّهِ طَاعَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ

18720 - وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ مُسْلِمَةً مِنْهُمْ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10]، فَحَبَسَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ

18721 - وَعَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1]

18722 - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ كَانَ صُلْحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

18723 - قِيلَ: كَانَ صُلْحُهُ لَهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ: إِمَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِمَا صَنَعَ نَصًّا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ -[426]- فَصَارَ إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ، وَنَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُ بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكُلٌّ كَانَ لِلَّهِ طَاعَةٌ فِي وَقْتِهِ

18724 - ثُمَّ شَبَّهَهُ بِأَمْرِ الْقِبْلَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ النَّسْخِ "

18725 - ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَاهَتْ فَرَائِضُ اللَّهِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهَا بِمَنْسُوخٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَهُوَ عَاصٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ

18726 - ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَأَسَرَ الْمُشْرِكُونَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَخَذُوا نَاقَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْفَلَتَتِ الْأَنْصَارِيَّةُ عَلَى نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»

18727 - قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا نَذْرَ يُوَفَّى بِهِ

18728 - ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْأَيْمَانِ: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89]

-[427]-

18729 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»، فَاعْلَمْ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ أَنْ لَا تَفِيَ بِالْيَمِينِ إِذَا كَانَ غَيْرُهَا خَيْرًا مِنْهَا، وَأَنْ تُكَفِّرَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُوَفَّى بِكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ وَعَهْدٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ كَانَ مُبَاحًا لَا مَعْصِيَةَ لِلَّهِ فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015