تَعْرِيف الْمَاهِيّة إِمَّا بِنَفسِهَا، أَو بِأُمُور دَاخِلَة فِيهَا مقومة لَهَا، أَو بِأُمُور خَارِجَة عَنْهَا عارضة لَهَا، وَإِمَّا بتركب من الْقسمَيْنِ.
الأول: تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ محَال؛ لِأَن الْوَسِيلَة مَعْلُوم قبل الْمَطْلُوب، فَلَو جعل الشَّيْء مُعَرفا لنَفسِهِ لَكَانَ كَذَلِك الشَّيْء من حَيْثُ إِنَّه وَسِيلَة يجب أَن تكون مَعْرفَته مُتَقَدّمَة، وَمن حَيْثُ إِنَّه مَطْلُوب يجب أَن تكون مَعْرفَته مُتَأَخِّرَة، فَيلْزم أَن يكون الْعلم بِهِ مُتَأَخِّرًا عَن الْعلم بِهِ، وَذَلِكَ محَال.
الثَّانِي: تَعْرِيف الْمَاهِيّة بالأمور الدَّاخِلَة (4 / أ) إِن كَانَ يذكر مَجْمُوع أَجْزَائِهَا كَانَ حدا تَاما؛ لِأَن الْمَاهِيّة إِذا كَانَت مركبة من مَجْمُوع أُمُور كَثِيرَة فَمَتَى حصل الْعلم بجملتها فقد حصل الْعلم بِتِلْكَ الْمَاهِيّة المتركبة من تِلْكَ الْأُمُور، فَتكون الصُّورَة الذهنية مُطَابقَة للماهية الخارجية مُطَابقَة لَا يُمكن الزِّيَادَة عَلَيْهَا، فَكَمَا أَن الْمَاهِيّة الخارجية إِنَّمَا حصلت من مَجْمُوع تِلْكَ البسائط؛ فَكَذَلِك الْعلم بِتِلْكَ الْمَاهِيّة المركبة حصل من الْعلم بِمَجْمُوع تِلْكَ البسائط؛ فَيكون هَذَا التَّصَوُّر تَاما كَامِلا لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان؛ فَلذَلِك سموهُ الْحَد التَّام، وَإِن كَانَ التَّعْرِيف بِجُزْء لَازم لتِلْك الْمَاهِيّة وجودا وعدما مِمَّا يُسمى فصلا مُقَومًا، فَهَذَا النَّوْع من التَّعْرِيف يُسمى حدا أَو رسما فِيهِ اخْتِلَاف. قَالَ الإِمَام رَحمَه الله: " هَذَا نزاع لَفْظِي، فَمن يَقُول إِن الْحَد هُوَ الَّذِي يُفِيد معرفَة تَامَّة، فَهَذَا عِنْده لَيْسَ بِحَدّ، وَمن يَقُول: هُوَ الَّذِي يُفِيد معرفَة ذاتية سَوَاء كَانَت الْمعرفَة تَامَّة أَو نَاقِصَة، فَهَذَا عِنْده حد، وَإِن كَانَ التَّعْرِيف بِجُزْء من أَجْزَائِهَا غير اللَّازِمَة لَهَا نفيا، وإثباتا؛ فإمَّا أَن يكون الْمُعَرّف أَعم من الْمَحْدُود، أَو أخص مِنْهُ؛