فإن اللغة الشريفة العربية - صانها الله وأعادها لسابق جدتها - لما تطرق إليها الفساد بكثرة الدخيل، وشيوع اللحن والتحريف، بسبب ما استلزمه الفتح الإسلامي من الاختلاط بغير العرب، هب أئمتها - رضي الله عنهم، وجزاهم خير الجزاء - لحياطتها، والذود عن حياضها، بتدوين أصولها وقواعدها وتقييد شواردها وأوابدها، حفاظاً لها من الضياع بتغيير الأزمان والأوضاع، فلم يغادروا صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها فيما ألفوه ودونوه. لا سيما ما يختص بالتفريق بين العربي الأصيل، وما صار في حكمه من معربات العرب، وبين ما ولده المحدثون، وابتذلته العامة، صوناً للغة من الخطل، وتمييزاً للطيب من الخبيث، والصحيح من البهرج ...
إما بالتنبيه في المعاجم، أو فيما أفردوه لذلك من التأليف. لم يزل ذلك دأبهم حقبة بعد حقبة، وجيلاً بعد جيل، حتى وصل الأمر في القرون الأخيرة إلى العالمين المحققين: شهاب الدين الخفاجي، ومحمد أمين المحبي، وقد طمى السيل، وطفح الكيل. فوضعا كتابيهما في الدخيل «شفاء الغليل»، و «قصد السبيل».
ثم احتذاهما غيرهما من أفاضل تلك العصور وما بعدها، ممن وقفنا على آثارهم، أو لم نقف ...