كَانَتْ تُسَمَّى يَثْرِبَ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ، وَكَرِهَ أَنْ تُسَمَّى يَثْرِبَ.
كَانَتْ الْمَدِينَةُ عَاصِمَةَ الْإِسْلَامِ وَمِنْهَا انْطَلَقَتْ أَعْظَمُ فُتُوحَاتِهِ، وَبِهَا مَرْقَدُ خَيْرِ الْبَشَرِ، وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ الْإِسْلَامَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا.
وَرَأَيْت أَنْ أُرْفِقَ مُخَطَّطًا لَهَا يُبَيِّنُ مَعَالِمَهَا، بَدَلَ الْحَدِيثِ عَنْهَا لِأَنَّهُ لَنْ يَفِيَهَا حَقَّهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمَحْدُودِ.
الْمَذَاد مِنْ ذَادَ يَذُودُ، فَهُوَ مَكَانُ الذَّوْدِ، أَيْ دَفْعُ الْعَدُوِّ: جَاءَ فِي قَوْلِ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْجُمَحِيِّ، يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ الْعَامِرِيَّ الْقُرَشِيَّ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - إيَّاهُ:
عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ كَانَ أَوَّلَ فَارِس ٍ
جَزَعَ الْمَذَادَ، وَكَانَ فَارِسَ يَلْيَلِ
وَلَقَدْ تَكَنَّفَتْ الْأَسِنَّةُ فَارِسًا
بِجَنُوبِ سَلْعٍ غَيْرَ نَكْسٍ أَمْيَلِ
قُلْت: هُوَ مِنْ طَرَفِ الْخَنْدَقِ حَيْثُ كَانَ يَتَذَاوَدُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَهُنَاكَ قَتَلَ عَلِيٌّ عَمْرًا عِنْدَمَا جَزَعَ الْخَنْدَقَ وَنَادَى مَنْ مُبَارِزٌ؟ وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ الْمُهَابِينَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ.
وَالشَّاعِرُ يُحَدِّدُهُ بِجَنُوبِ سَلْعٍ، وَلَيْسَ الْخَنْدَقُ بِجَنُوبِ سَلْعٍ، وَلَكِنْ اخْتَارَ الشَّاعِرُ هَذَا اللَّفْظَ لِمُنَاسَبَةِ مُوسِيقَاهُ لِلشِّعْرِ. وَقَدْ ذُكِرَ الْخَنْدَقُ.