وَفِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَقْلِبُ اسْمَ الضَّيِّقَةِ إلَى " الْيُسْرَى " وَهَكَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الشَّوَاهِدَ تَدُلُّ عَلَى مَا لِعِلْمِ الْجُغْرَافِيَا مِنْ مَكَانَةٍ رَفِيعَةٍ، فَالسَّائِرُ فِي الْأَرْضِ وَقَارِئُ الْأَحْدَاثِ وَالْكَاتِبُ وَالْمُؤَرِّخُ وَغَيْرُهُمْ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْ كُتُبٍ تُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ، وَخَيْرُ هَذِهِ الْكُتُبِ وَأَفْضَلُهَا مَا اسْتَطَاعَ الْبَاحِثُ الْعُثُورَ عَلَى ضَالَّتِهِ فِيهِ بِيُسْرِ.
وَمِنْ مِيزَاتِ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلدَّسِّ وَالْوَضْعِ أَوْ التَّحْرِيفِ، فَهُوَ عِلْمٌ مَكْشُوفٌ يُوَضِّحُ أَرْضًا خَالِدَةً، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَضَعُ فِيهِ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ فَإِنَّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ سَيُكَذِّبُهُ، وَيُثْبِتُ - بِالْمُشَاهَدَةِ وَالرَّسْمِ - غَلَطَ سَلَفِهِ، بِخِلَافِ عِلْمِ التَّأْرِيخِ وَالْأَدَبِ، فَقَدْ يَتَوَصَّلُ صَاحِبُ الْغَرَضِ إلَى غَرَضِهِ فِيهِمَا بِوَضْعِ أَوْ دَسِّ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ.
فَإِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ عِلْمَ الْجُغْرَافِيَا عَامَّةً، وَالْمَعَالِمِ خَاصَّةً، عِلْمٌ لَا غِنَى لِلْبَاحِثِ وَالْقَارِئِ عَنْهُ، وَجَدْنَا أَنَّ أَقْرَبَهُ مُتَنَاوَلًا وَأَيْسَرَهُ لِلْبَحْثِ هُوَ فَنُّ الْمَعَاجِمِ، فَالْبَاحِثُ يَسْتَطِيعُ فِي أَيْسَرِ وَقْتٍ الْحُصُولَ عَلَى بُغْيَتِهِ، نَظَرًا لِتَسَلْسُلِ الْمَوَادِّ عَلَى تَرْتِيبِ الْحُرُوفِ الْهِجَائِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الْمُعْجَمَ يُعْطِيك مَعْلُومَاتٍ مُحَدَّدَةً عَنْ أَعْلَامٍ خَاصَّةٍ، بَعِيدًا عَنْ الْإِسْهَابِ وَالِاسْتِطْرَادِ. لِذَا فَقَدْ جَعَلْت هَذَا الْكِتَابَ مُعْجَمًا، وَجَعَلْت مَعْلُومَاتِهِ مُوجَزَةً، وَلَكِنَّ إيجَازَهَا مُوفٍ بِالْغَرَضِ الْمُؤَلَّفِ الْكِتَابُ مِنْ أَجْلِهِ.
فَاَللَّهَ أَسْاَلُ أَنْ يَنْفَعَ بَهْ كَاتِبَهُ وَقَارِئِيهِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ.
إنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ.
وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الْمُؤَلِّفُ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ 1402 لِلْهِجْرَةِ الْمُبَارَكَةِ.