قال: فقالوا ألا ائذنوا لنا في سلاحكم ثمّ دعوها على حالها، فأما الرمح فمركوز على قدّام البيت وأما النبل وجفيرها وقوسها فمعلّق بالعمود الواسط من البيت وأمّا كلّ سيف فمحجوز في العكم، فقال لهم محجن: أين ترجوهم أن تلقوهم غدا؟ قالوا: قد أخبرنا أن جيوشهم قد أمست بالصحراء بين ضلع بني الشيصبان وبين الحرامية، والحرامية: ماء، قال أبو زياد: وقد رأيت تلك الصحراء التي بين ضلع بني الشيصبان وبين الحرامية وهي صحراء كبيرة، فقال المالكيون: نحن مدلجون إن شاء الله فمبادروهم فادعوا الله لنا، ثم انصرف القوم بأجمعهم ما أعطيناهم شيئا أكثر من أنا قد أذنّا لهم فيها، قال: فلا والله ما أصبح فينا سيف ولا نبل ولا رمح إلّا قد أخذ كلّه، فقال محجن: لأركبنّ اليوم عسى أن أرى من هذا الأمر أثرا يتحدّثه الناس بعدي، قال: فركب جملا له نجيبا ثمّ مضى حتى أتانا بعد العصر فأخبرنا أنّه بلغ الصحراء التي بين الحرامية وضلع بني الشيصبان حين امتدّ النهار قبل القائلة في نهار الصيف ولم يدخل القيظ، قال: فلمّا كنت بها رأيت غبارا كثيرا وإنما صيّر من ورائي ومن قدّامي في ساعة ليس فيها ريح، قال: قلت اليوم وربّ الكعبة يصطدمون، قال:
فوقفت وتلك الأعاصير تجيء من قبل ضلع بني شيصبان، قال: فإذا دخلت في جماعة الغبار الذي أرى الكثير فلا أدري ما يصنع، قال: وتخرج تلك الأعاصير من ذلك الغبار وترجع فيه، قال: فوقفت قدر فواق ناقة، قال: والفواق ما بين صلاة الظهر إلى صلاة العصر، قال: وأنا أرى تلك الأعاصير تنقلب بعضها في بعض ثمّ انكشف الغبار والأعاصير تقصد ضلع بني شيصبان، فقلت: هزم أعداء الله، قال: فو الله ما زال ذلك حتى سندت الأعاصير في ضلع بني شيصبان ثمّ رجعت أعاصير كثيرة من عن شمال ويمين ذاهبة قبل ضلع بني مالك، قال: فلم أشكّ أنهم أصحابي، قال: فسرت قصدا حيث كنت أرى الغبار وحيث كنت أرى مستدار الأعاصير فرأيت من الحيّات القتلى أكثر من الكثير، قال:
ثمّ تبعت مجرى الغبار حيث رأيته يعلو نحو ضلع بني شيصبان، قال: فو الله ما زلت أرى الحيّات من مقتول وآخر به حياة حتى انتهيت ورجعت ثمّ انصرفت ولحقت بأصحابي قبل أن تغيب الشمس، قال: فلمّا كانت الساعة التي أتونا فيها البارحة إذ القوم منحدرون من حيث كانوا أتونا البارحة حتى جاءوا فسلّموا ثمّ قالوا: أبشروا فقد أظفرنا الله على أعدائه، لا والله ما قتلناهم منذ كان الإسلام أشدّ من قتل قتلناهم اليوم وانفلت شرذمة قليلة منهم إلى جبلهم وقد ردّ الله عليكم سلاحكم ما زاغ منه شيء، وجزونا خيرا ودعوا لنا ثمّ انصرفوا وما أتونا بسلاح ولا رأيناه معهم، قال: فأصبح والله كلّ شيء من السلاح على حاله الذي كان كالبارحة، ثمّ ذكر أبو زياد أخبارا أخر لبني الشيصبان، اقتنعت بما ذكرته، والله أعلم بصحته وسقمه.
بالفتح ثمّ السكون ثمّ الفاء مفتوحة، وعين مهملة، يقال: ضلفعه وصلمعه وصلفعه إذا حلقه، وضلفع: اسم موضع باليمن، قال:
فعمايتين إلى جوانب ضلفع
وقال متمم بن نويرة:
أقول، وقد طار السّنا في ربابه ... وغيث يسحّ الماء حتى تريّعا:
سقى الله أرضا حلّها قبر مالك ... ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا