فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ (?) بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَعِنْدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، ارْفَعْ قَضِيبَكَ، قَدْ طَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقْبَلُ هَذِهِ الثَّنَايَا، ثُمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُسَارَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ بِالرَّأْسِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ فَأَنْشَدَ حِينَئِذٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
نُفَلِّقُ هَامًا (?) مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ (?) وَأَظْلَمَا
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْهِيزِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلُوهَا تَلَقَّتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَاشِرَةً شَعْرَهَا، وَاضِعَةً كَفَّهَا عَلَى رَأْسِهَا تَبْكِي وَهِيَ تَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ ... مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ
بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي ... مِنْهُمْ أُسَارَى وَقَتْلَى ضُرِّجُوا بِدَمِ
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ ... أَنْ تَخْلُفُونِي بِشَرٍّ فِي ذَوِي رَحِمِي
وَسَنُورِدُ هَذَا مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَقَدْ رَثَاهُ النَّاسُ بِمَرَاثٍ كَثِيرَةٍ وَمِنْ أَحْسَنِ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ:
جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ... مُتَزَمِّلًا» بِدِمَائِهِ تَزْمِيلَا
فَكَأَنَّمَا بِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ... قَتَلُوا جِهَارًا عَامِدِينَ رسولا