معجز احمد (صفحة 59)

وذكي رائحة الرياض كلامها ... تبغي الثناء على الحيا فتفوح

شجي يشجى فهو شج: إذا اغتص به. وعطف الشيء: جانبه.

يقول: إن الشعر يلتجىء إلي عائذٌ بعطفي وجانبي؛ مخافة أن أمدح به غيرك من الناس، لرغبته في محاسنك وزهدة فيمن سواك، لأنهم لا يستحقونه.

الذكي: الرائحة الشديدة.

يقول: إن شعري كره أن أمدح به غيرك لأنه قد رأى الرياض تشكر المطر. ففوحها طيب كلامها وثنائها على المطر فتشكر على قدر إمكانها، فأرادني أن أمدحك به فأؤدي شكرك.

جهد المقل فكيف بابن كريمةٍ ... توليه خيراً واللسان فصيح

يقول: إذا شكرت الرياض للمطر، بالريح الذكي، وذلك جهد المقل، فكيف ظنك بابن حرة توليه براً جزيلاً وإحساناً جميلاً، وله لسان فصيح، فاعذره إذا ترك الثناء عليك.

وقال أيضاً يمدحه:

أمساورٌ أم قرن شمسٍ هذا؟ ... أم ليث غابٍ يقدم الأستاذا؟

يقدم: أي يتقدم. والأستاذ: قيل هو الممدوح الذي هو مساور، أو قرن الشمس أيضاً اشتبه بقرن الشمس حتى إنه يحتاج إلى الاستفهام أنه هو، أم قرن الشمس؟ وقرن الشمس أول ما يبدو منها، ويكون ليث غاب على هذا: هيبته التي تسبق إلى قلوب الناس دون نفس مساور، لأن الشيء لا يتقدم نفسه فكأنه قال: إن هيبته التي تسبق ليث غاب، تقدم مساوراً وقيل: إن الأستاذ غير مساور، الذي هو الممدوح. وقيل: هو كافورٌ الإخشيدي وكان مساور في حجابه أو قواده. فيكون على هذا شبه الأستاذ بالشمس، وشبه مساوراً بقرنها، ثم جعله أيضاً ليث غاب يتقدم الأستاذ في سيره، أو في موكبه. وقيل: إن الأستاذ ليس هو رجلاً بعينه، وإنما المقصود: أن مساوراً في شجاعته يسبق أستاذه، ودون أستاذه يعجز عنه.

شم ما انتضيت فقد تركت ذبابه ... قطعاً وقد ترك العباد جذاذا

يقول: أغمد ما انتضيته يعني: السيف. فقد تركت حده قطعاً من كثرة ما ضربت به، وقد ترك السيف عباد الله قطعاً.

هبك بن يزدادٍ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا

هب: أي اجعل.

يقول: هب أنك كسرت ابن يزداد وأصحابه، أترى أن الناس كلهم بنو يزداد، فتقتلهم وتحطمهم، كما قتلت خصمك! كأنه قد كان جاوز عن قتل أعدائه إلى قتل غيرهم.

غادرت أوجههم بحيث لقيتهم ... أقفاءهم وكبودهم أفلاذا

يقول: غادرت أي تركت وجوههم عندما لقيتهم أقفاءهم: أي طمست آثارها حتى لم تبين وجوهم من أقفائهم. وقيل: أراد أنك هزمتهم فقامت أقفاؤهم: أي طمست آثارها حتى لم تبين وجوههم من أقفاءهم: أي طمست آثارها حتى لم تبين وجوههم من أقفائهم. وقيل: أراد أنك هزمتهم فقامت أقفاؤهم في استقبالهم مقام وجوههم، وتركت أكبادهم متقطعة.

في موقفٍ وقف الحمام عليهم ... في ضنكه واستحوذ استحوذا

يقول: فعلت ذلك بهم، في موقفٍ وقف الموت عليهم في مضيق ذلك الموقف، أي في موقف صعب، وغلبت عليهم غلبة عظيمة.

جمدت نفوسهم فلما جئتها ... أجريتها وسقيتها الفولاذا

التأنيث: للنفوس. وجمدت نفوسهم: يجوز أن يريد جمدت دماؤهم فلما جئتها أجريتها وأذبتها، ثم أسقيتها الفولاذا لأنه كان ظامئاً إليها.

لما رأوك رأوا أباك محمداً ... في جوشن وأخا أبيك معاذا

يقول: لما رآك ابن يزداد وأصحابه، رأوا برؤيتك أباك وعمك، لأنك أشبهتهما فعلاً ونجدة، فكأنهما كانا في جوشن واحد، وقيل رأوهما في جوشنك، وذلك جامعٌ لمدحه ومدح أبيه وعمه، لأنه نسبهما إلى الشجاعة.

أعجلت ألسنهم بضرب رقابهم ... عن قولهم لا فارسٌ إلا ذا

يقول: لما رأوك أرادوا أن يقولوا: ليس في العالم فارسٌ إلا هذا، فأعجلتهم عن قول ذلك بضرب رقابهم قبلها.

غرٌّ طلعت عليه طلعة عارضٍ ... مطر المنايا وابلاً ورذاذا

مطر المنايا: يجوز أن يكون منصوباً بتقدير فعل، فكأنه يقول: وأمطرت عليهم مطر المنايا. والوجه عندي غير ذلك وهو: أن يكون مطر المنايا فعلاً ماضياً وفاعله ضمير عارض: تقديره طلعت عليهم طلعة عارض أمطر ذلك العارض عليهم المنايا.

يقول: إن ابن يزداد كأنه لم يجرب الأمور؛ فطلعت عليهم طلعة سحاب ماطر، غير أن مطره كان الموت. ووابلاً: أي عظيماً، ورذاذا: أي صغيراً، شبه الدم السائل من ضربة السيف بالوابل، ومن الطعن فيهم بالرذاذ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015