تتقلد: من قولك تقلد فلانٌ دم فلانٍ إذا باء بإثمه.
يقول: المرأة التي سفكت دمي بجفونها الحسنة، لم تعلم أن الذي تتقلده وتبوء به هو دمي. يعني: أنها قتلتني بجفونها الملاح، وأنها لم تعلم أني قتيلها بتلك الجفون.
قالت وقد رأت اصفراري: من به؟ ... وتنهدت فأجبتها: المتنهد
من به: أي فعل به، أو من المطالب به. وتنهدت: أي تنفست. وقيل: تنهدت المرأة؛ إذا رفعت صدرها وثديها.
يقول: إن هذه المرأة لما رأت ما بي من الاصفرار قالت مستفهمة: من فعل به ذلك؟ من المطالب به؟ وتنفست عند ذلك ترحماً لي، لما شاهدت من حالي فأجبتها: المتنهد. أي قلت: الذي فعل بي ذلك هو المتنفس. وإنما لم يقل: المتنهدة؛ لأنه رده على معنى الإنسان أو الشخص، ومعناه أن الذي حصل بي منك دون غيرك، أي أنت فعلت ذلك.
فمضت وقد صبغ الحياء بياضها ... لوني كما صبغ اللجين العسجد
اللجين: الفضة، والعسجد: الذهب. هذا البيت يفسر على وجوه: أحدها: أنها مضت عني لما قلت لها في البيت الذي قبله، وقد صبغ الحياء والخجل بياضها، يعني أنها لما استحيت مما قلت لها احمر لونها ومضت، ثم عدل عن ذلك إلى وصف نفسه فقال: لوني كما صبغ الفضة الذهب. أي اصفر وجهي. وقال بعضهم: معناه أن الحياء صبغ لونها أحمر، ثم لحقها الخوف في الوقت من الرقباء أن يروها، فاصفر لونها لذلك الفزع بعد الخجل، فيكون تقديره: صبغ الحياء بياضها لوناً كلوني؛ لأن الحياء إذا كان مع الخوف يصفر الوجه. وقيل: أيضاً لأن الحياء يجلب اللونين معاً؛ لأن المستحي يحمر أولاً ثم إذا فكر فيما حصل منه الحياء، يصفر لونه، فيصير كصاحب الخوف، فكأنه ذكر الحالة الثانية فبين أنها خجلت واستمر بها الخجل والحياء حتى اصفر لونها، فصار كلوني الذي هو كلون الذهب الممتزج بالفضة.
فرأيت قرن الشمس في قمر الدجى ... متأوداً غصنٌ به يتأود
قرن الشمس: أول ما يبدو منها، وهو يضرب إلى الصفرة، وذلك يدل على استحالة لونهاأصفر، وأراد به الصبغ الذي حصل في وجه المرأة الذي هو كالقمر، وأراد: أن وجهها بمنزلة قرن الشمس، وقمر الدجى. وقصد تشبيهه بهما جميعاً، وقوله: متأوداً: أي متمايلاً يتأود به غصن: وهو قد المرأة والهاء في به: ترجع إلى قرن الشمس. فمعناه: رأيت متمأوداً يتأود به غصن.
عدويةٌ بدويةٌ من دونها ... سلب النفوس ونار حربٍ توقد
وهواجلٌ وصواهلٌ ومناصلٌ ... وذوابلٌ وتوعدٌ وتهدد
العدوية: منسوبة إلى بني عدي. والبدوية: منسوبةٌ إلى البدو. والسلب: الاختطاف.
والهواجل: جمع الهوجل، وهو الأرض المطمئنة، والصواهل: جمع الصاهل من صهيل الفرس، وهو صوته. والمناصل: جمع المنصل، وهو السيف، والذوابل، جمع الذابل وهو الرمح.
يقول: إن هذه المرأة من أبناء الكرام ومن دون الوصول إليها هذه الأشياء.
أبلت مودتها الليالي بعدنا ... ومشى عليها الدهر وهو مقيد
يقول: أخلقت الليالي وتطاولها مودتها بعدي وبعدها، ومشى على ذلك الدهر فأفسدها بمشيه عليها وهو مقيد، وذلك لأنه إذا كان مقيداً كان أثقل وطئاً لاعتماده على الرجلين، وقصر خطوه، فيحطم الشيء إذا مشى عليه. وهي مبالغة مليحة وصنعة في الشعر حسنة.
أبرحت يا مرض الجفون بممرضٍ ... مرض الطبيب له وعيد العود
أبرحت: أي جاوزت الحد. يخاطب مرض الجفون، أو يكون المرض بمعنى المريض، فكأنه يقول: يا مرض الجفون الذي في عينيها، أو يا مريض الجفون، تجاوزت الحد، بممرض يعني: به نفسه، حتى مرض الطبيب له، ومرض عواده، فعادهم الناس، وإنما مرضوا رحمةً له واغتماماً لشدة حاله ورقةً عليه لما رأوا مابه من الهزال.
يقول: أمرض الأطباء حزنهم لقصورهم عن شفائه لعظم دائه.
فله بنو عبد العزيز بن الرضا ... ولكل ركبٍ عيسهم والفدفد
الهاء في فله: للممرض، وعنى به نفسه.
يقول: بنو عبد العزيز بن الرضا: الذين هم الممدوحين يكفوني لأني ألجأ إليهم في أحوالي وأجعلهم سبباً لإدراك آمالي، وكذلك أيضاً ركب هؤلاء، فمنهم عيسهم؛ لأن عطايا الأرض التي هي من ملكهم، يريد أنهم ملوك الدنيا، وأنه لا مقصود من الناس غيرهم.