معجز احمد (صفحة 33)

يقول: أيملك الملك من هو في ضعفه لو رآني ماءً وهو ظمآن لم يمكنه أن يردني ومات عطشاً! ولو رآني في النوم لزال نومه، ولا يجسر أن ينام؛ خوفاً مني، ولا يستقر لعظم هيبتي في قلبه.

ميعاد كل رقق الشفرتين غداً ... ومن عصى من ملوك العرب والعجم

ومن عصى: في موضع جر، عطفاً على كل.

يقول: ميعاد كل سيفٍ رقيق الشفرتين غداًن وميعاد كل من عصاني من ملوك العرب والعجم؛ أقتلهم به. وقيل: فيه إضمار تقديره هذا المذكور الذي هو لحم على وضم، ميعاد كل سيوفي ملوك العرب والعجم.

فإن أجابوا فما قصدي بها لهم ... وإن تولوا فما أرضي لها بهم

يقول: أقصدهم بسيوفي، فإن انقادوا إلي فما قصدي بهذه السيوف إليهم، وإن تولوا عني، فما أرضى لهذه السيوف بهم بل أقتل سواهم.

وقال أيضاً في صباه وقد عذله أبو سعيد المخيمري في تركه لقاء الملوك

أبا سعيدٍ ... جنب العتابا

فرب راءٍ ... خطأً صوابا

راء: فاعل، وهو العامل في خطأ، وفي صواب، لأن اسم الفاعل يعمل عمل الفعل منه.

يقول: يا أبا سعيد بعد عني عتابك فأنت مخطىء فيه، فرب إنسانٍ يرى الخطأ صواباً، وروى فرب رائي خطإٍ صواباً على الإضافة وحذف التنوين، طلباً للخفة، والغرض إثباته لأن الإضافة غير حقيقية، ثم بين وجه الخطأ في عذل أبي سعيد فقال:

فإنهم قد ... أكثروا الحجابا

واستوقفوا ... لردنا البوابا

استوقفوا: أي طلبوا من البواب الوقوف.

يقول: إنما أترك قصدهم لأنهم أكثروا الحجاب ليمنعونا عنهم، وأقعدوا لردنا عنهم البواب على أبواب دورهم.

وإن حد ... الصارم القرضابا

والذابلات ... السمر والعرابا

ترفع فيما ... بيننا الحجابا

القرضاب: هو القاطع، وهو صفة لحد السيف. والذابلات السمر: هي الرماح. والعراب: الخيل العربية.

يقول: لا أقصدهم إلا محارباً بالصارم القاطع، والرماح الذبل، والخيل العراب؛ فإن هذه الأشياء التي ذكرتها ترفع الحجاب فيما بيننا وبينهم.

وقال في صباه ارتجالاً يصف ألم الشوق والفراق على لسان إنسان سأله ذلك:

شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي ... فارقتني وأقام بين ضلوعي

يقول مخاطباً لحبيبه: شوقي إليك نفى نومي، ففارقتني أنت، وأقام ذلك الشوق بعدك بين ضلوعي.

أوما وجدتم في الصراة ملوحةً ... مما أرقرق في الفرات دموعي؟!

الصراة: نهر ببغداد، مشتق من الفرات.

يقول لحبيبة، وهو واحد؛ يخاطب الجماعة تعظيماً له: أوما وجدتم في هذا النهر ملوحةً؟ من كثرة ما صببت من دمعي في الفرات، الذي مادة هذا النهر منه؛ لأن الدمع مالح المذاق.

ما زلت أحذر من وداعك جاهداً ... حتى اغتدى أسفي على التوديع

يقول: مازلت أحذر من توديعك خوف الفراق، حتى وقع الفراق من دون الوداع، فصرت أأسف على ترك التوديع؛ إذ كان فيه بعض السلوة. أو يكون الفراق وقع مع الوداع. فيقول: أنا آسف على ما حصل لي من المسرة في لقائك عند الوداع، فأشتاقه وأتمنى عوده.

رحل العزاء برحلتي فكأنما ... أتبعته الأنفاس للتشييع

العزاء: الصبر.

يقول: رحل العزاء عند ارتحالي عنك، فكأنني أتبعته أنفاسي لتشيعه، أو للتشييع لك، ويحتمل أن يريد: أن الصبر فارقني لفراقي لك، وضعفت عن النفس، وانقطعت الأنفاس، فكأنما تبعتك مشيعةً ومثله لأبي تمام.

إن لم أودعهم فقد أتبعتهم ... بمشيعين: تنفسي ودموعي

وقال أيضاً في صباه ارتجالاً يفتخر:

أي محلٍّ أرتقي ... أي عظيمٍ أتقي؟

وكل ما خلق الله ... وما لم يخلق

محتقرٌ في همتي ... كشعرةٍ في مفرقي

يقول: أي محل أرتقي إليه؟ فلا مزيد فوق ما أنا عليه فأصبر إليه. وأي عظيم أخشى منه وأحذره؟ وكل شيء خلقه الله تعالى وما لم يخلق بعد، هو محتقر عند همتي، كشعرة في مفرق رأسي. وروى: كشعرتي في مفرق على الإضافة، ومفرق على النكرة أي مفرق من المفارق.

وقال أيضاً في صباه، مجيباً لإنسان قال له: سلمت عليك فلم ترد علي السلام:

أنا عاتبٌ لتعتبك ... متعجبٌ لتعجبك

إذ كنت حين لقيتني ... متوجعاً لتغيبك

فشغلت عن رد السلام ... فكان شغلي عنك بك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015