وقيل: الهاء في جفونه تعود إلى الملك: أي يسهد جفون الملك بقصده بخيله. وهو يتولى أموره بنفسه، ولا يتكل فيها إلى كفاية غيره؛ لفضل قوته وبعد همته.
مشرّفاً بطعنه، طعينه
عفيف ما في ثوبه مأمونه
أبيض ما في تاجه ميمونه
المنصوبات كلها على الحال. إلا قوله: طعينه فإنه منصوب بمشرف.
يقول: إذا طعن إنساناً فإنه يتشرف بطعنه، لأنه يقال قد نازله وثبت له، وهو عفيف الفرج، أبيض الوجه، مبارك ميمون على من رآه.
بحرٌ يكون كلّ بحرٍ نونه
شمسٌ تمنّى الشّمس أن تكونه
قوله: أن تكونه الهاء فيه خبر كان وقد وصله، والأولى فيه الفصل، فيقال: أن تكون إياه. وذكر الضمير في أن تكونه وإن كان راجعاً إلى قوله: شمس لأنه أراد بها سيف الدولة.
يقول: هو بحر في الجود والهيبة، إذا قيست البحار إليه كانت بمنزلة السمكة في البحر، وهو شمس في إشراقه وعلو همته، ومنزلته وشهرة ذكره، والشمس الحقيقي تتمنى أن تكون مثله.
إن تدع يا سيف لتستعينه
يجبك قبل أن تتمّ سينه
الهاء في سينه تعود إلى سيف. يخاطب صاحباً له، أو نفسه، فيقول: إن دعوته وقلت يا سيف الدولة، تستعين به أجابك قبل أن تلفظ بالسين، من يا سيف.
وقيل: هو خطاب لسيف الدولة: أي إن دعوت سيفك لتستعين به أجابك قبل إتمام السين منه.
أدام من أعدائه تمكينه
من صان منهم نفسه ودينه
من فاعل أدام، وأراد به الله تعالى.
يقول: أدام الله تمكينه، كما صان منهم نفسه ودينه: أي حال بينهم وبينه من أن ينالوه بطعن في نفسه ودينه.
وقال في ذي الحجة من سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة، يمدحه ويهنئه بعيد الأضحى، وأنشده إياها في ميدانه بحلب، تحت مجلسه، وهما على فرسيهما ويذكر أسره لابن الدمستق وفيها يفتخر بنفسه وشعره:
لكلّ امرئٍ من دهره ما تعوّدا ... وعادات سيف الدّولة الطّعن في العدا
يقول: كل إنسان يجري على ما تعود من دهره، وعادة سيف الدولة التي لا ينفصل عنها، أن يطعن أعداءه، فهو جار عليه.
وأن يكذب الإرجاف عنه بضدّه ... ويمسي بما تنوي أعاديه أسعدا
الإرجاف: خوض العامة في الإخبار عن الملوك بالسيئ. وقيل: هو مقدمة الكون.
يقول: من عادته أيضاً أن يكذب إرجاف أعدائه عنه بضد ما أرجفوا، فإذا نووا على إيقاع شر به عاد ما تمنوه عليهم، فيصير هو أسعد من أعدائه. بما نووا عليه. وروى: بما تحوي وتنوي.
وربّ مريدٍ ضرّه، ضرّ نفسه ... وهادٍ إليه الجيش، أهدى وما هدى
الهاء في ضره لسيف الدولة، وفي نفسه للمريد، وهاد: من قولهم: هديته الطريق، والجيش: نصب بهاد وضره: بمريد. وأهدى: من الهدية.
يقول: رب إنسان أراد أن يضره، ضر نفسه! وعاد كيده إليه، وهذا من قوله تعالى: " وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ ". ومنه قول الشاعر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريّاً ومن قعر الطّويّ رماني
أي عاد رميه إليه، مثل من يرمي حجراً من قعر بئر، فيعود على رأسه.
ورب قائد هدى إليه جيشاً، فكأنه بعث إليه هدية وغنيمة.
ومستكبرٍ لم يعرف الله ساعةً ... رأى سيفه في كفّه فتشهّدا
يقول: رب كافر مستكبر عن طاعة الله تعالى، لم يؤمن ساعة، لما رأى سيف الدولة وفي يده سيفه أسلم، وتشهد: أي أقر بشهادة التوحيد.
ويجوز أن يكون ساعةً متعلق بقوله: رأى السيف في يده، ساعةً، ووقتاً، فأسلم.
هو البحر غص فيه إذا كان ساكناً ... على الدّرّ واحذره إذا كان مزبداً
يقول: هو بحر، فإذا كان ساكناً فغص فيه، واستخرج منه الدر، وإذا كان هائجاً مزبداً فاحذره ولا تقربه، فتغرق فيه. يعني: استمنح منه الرغائب في حال السلم، واحذر من أن تلقاه محارباً، فإنه يهلكك. وهو وقوله:
سل عن شجاعته وزره مسالماً
فإنّي رأيت البحر يعثر بالفتى ... وهذا الّذي يأتي الفتى متعمّداً
يقول: هو أشد من البحر بأساً؛ لأن البحر إنما يصيب الإنسان اتفاقاً، فربما سلم منه، وإن باعد منه لم يقصده، وهذا البحر يقصد إلى قرنه عن عمد، ويهلكه عن قصد، فيكون يعثر بمعنى يصيب.
وقيل: معناه البحر ليس هو مكنه على قصد مكان غير مكانه، وهذا البحر يقصد العدو ويهلكه، وهو قريب من الأول.