معجز احمد (صفحة 272)

وأذكر أيّام الحمى ثمّ أنثنى ... على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا

وقيل: إنه يلمس الجانب الذي فيه قلبه، هل يخفق قلبه خوفاً أم لا؟!

وخلّى العذارى والبطاريق والقرى ... وشعث النّصارى والقرابين والصّلبا

العذارى: جمع عذراء، وهي البكر، وشعث النصارى: الرهابين جمع أشعث، والقرابين: خاصة الملك. والصلب: جمع صليب.

المعنى: أنه ترك هذه الأشياء وترك عسكره وبلاده وجميع ما فيها، ونجا بنفسه خوفاً منك.

أرى كلّنا الحياة بسعيه ... حريصاً عليها مستهاماً بها صبّا

المستهام، والصب: بمعنى. روى بسعيه وبجهده والمستهام: العاشق.

يقول: كل أحد يحب نفسه وحياتها، ويسعى ليدفع عن نفسه الضرر والهلاك.

فحبّ الجبان النّفس أورده التّقى ... وحبّ الشّجاع النّفس أورده الحربا

ويختلف الرّزقان والفعل واحدٌ ... إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا

النفس: منصوبة بحب في الموضعين؛ لأنه مصدر، فيعمل عمل الفعل وأورده: فعل، فاعله ضمير الحب.

يقول: كل أحد يطلب لنفسه البقاء، فالجبان يحذر لقاء الأقران، ويستعمل الخوف إبقاء على نفسه وطلباً لنجاته، والشجاع، يطرح نفسه في المهالك ويباشر القتال طلباً لاستبقاء النفس، بدفع الشر والأعداء عن نفسه، وإبقاء للذكر الجميل بعده، والقصد منهما واحد: وهو طلب الحياة، والسعي مختلف.

يقول: إن الجبان والشجاع قد اتفق فعلاهما في طلب الحياة، واختلف رزقاهما؛ لأن رزق أحدهما المدح، ورزق الآخر الذم.

وقيلك معناه أن الشجاع أعطى الحياة التي طلبها، والجبان حرم ذلك، لأنه في حال حياته ميت فكيف بعد الممات؟! وقيل: إن الشجاع رزق موتاً هو كحياة، لبقاء الذكر له، ورزق الجبان حياة هي كممات لحصول الذم له.

وقيل: رزق الشجاع رفاهية ورغدا، والجبان شقاء وتعباً.

وقوله: إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا معناه: أن الشجاع إذا تعرض للقتل حتى يقتل، كان ذلك عنده إحساناً إلى نفسه، وذلك عند الجبان أكبر ذنب لإلقائ بنفسه إلى التهلكة، والجبان إذا أحسن إلى نفسه بترك الحرب وطالب الصلح، يراه الشجاع ذنباً.

وقيل: معناه أن الجبان إذا علم - مثلا - أنه لا ينتقم من اللاطم لجبنه، كان هذا إحساناً إلى اللاطم، لنه عفو في الظاهر، وهو ذنب عظيم عند الشجاع. وفي جميع هذه الوجوه يكون البيت متصلا بما قبله.

وقد قيل: إنه منقطع عما قبله ومعناه: أن الرجلين ربما طلبا أمراً من وجه واحد فيرزق هذا، ويحرم الآخر، فيكون ذلك الفعل إحساناً لأحدهما يرزق به، وذنباً للآخر يحرم لأجله. ومثله الآخر:

يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث آخر يحرم

فأضحت كأنّ السّور من فوق بدؤه ... إلى الأرض قد شقّ الكواكب والتّربا

فأضحت: أي مدينة مرعش، وفوق: مضموم كقبل وبعد.

يقول: كأن سورها ابتدئ ببنائه من فوق، حتى انتهى إلى الأرض، فأصله شق الكواكب، وطرفه شق الترب: أي الأرض، وقيل: أراد بالترب: الغبار الذي ارتفع إلى السور من الحرب حواليه، أي أنه شق الغبار المرتفعة وجاوزها، وشق الكواكب أيضاً.

وقيل: أراد أن سورها لاتساعه على وجه الأرض كأنه شق الترب لطوله، وكأنه قد شق الكواكب وهو كعكس قول السموءل:

رسا أصله تحت الثّرى، وسما به ... إلى النّجم فرعٌ لا ينال طويل

تصدّ الرّياح الهوج عنها مخافةً ... وتفزع فيها الطّير أن تلقط الحبّا

الرياح الهوج: الشديدة الهبوب، التي لا تثبت على سمت واحد.

يقول إن الرياح لا تجسر أن تمر بها، وتخاف الطير أن تلقط منها الحب؛ لأنها إذا لقطت الحب نقصت من حبوبها، وذلك إضرار بها، وأنت قد أحميتها من كل ضرر.

والمصراع الثاني ضعيف؛ لأن الطير في كل موضع، تفزع أن تلقط الحب، فلا وجه لعطفه على الرياح.

وقيل في المصراع الأول: إن الرياح تعدل عنها؛ لطول السور الذي رفعتها في الجو والأولى أنه يريد أنها تعدل للهيبة.

وتردى الجياد الجرد فوق جبالها ... وقد ندف الصّنّبر في طرقها العطبا

وتردى: من الرديان، وهو ضرب من العدو، وأراد بالصنبر: ها هنا السحاب البارد، وقيل: أراد البرد والعطب: القطن.

شبه الثلج على الجبال بقطن مندوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015