معجز احمد (صفحة 238)

يقول: كلا حلاوة الدنيا دونها مرارة! فلا تنال حلاوة الزمان إلا بتجرع مرارته وأهواله! يعني أن معالي الأمور لا تدرك إلا باقتحام القتال والحروب ومباشرة الأمور العظام، وتحمل المؤن والمغارم.

فلذاك جاوزها عليّ وحده ... وسعى بمنصله إلى آماله

يقول: فلهذا احتوى سيف الدولة على معالي الأمور دون غيره، وأدرك بسيفه ما أمل من المعالي، مالا يأمل غيره.

وقال أيضاً يمدحه:

أنا منك بين فضائلٍ ومكارم ... ومن ارتياحك في غمامٍ دائم

الفضائل: جمع فضيلة، وهي كل خلق شريف. والمكارم: جمع مكرمة، وهي كل فعل كريم. والارتياح: السخاء، والاهتزاز.

يقول: حصلت أنا منك بين شرف أخلاقك، وكرم أفعالك، وحللت من جودك في مطر دائم، من غمام سخائك وغزارة عطائك.

ومن احتقارك كلّ ما تحبو به ... فيما ألاحظه بعيني حالم

يقول: أنت تعطى العطايا الجليلة وتحتقرها مع عظمها! وإني وأنا أتعجب من عظم هذا الشان، فأقدر - فيما أشاهده من فعلك - أني نائم وأن ما أراه حلم!

إنّ الخليفة لم يسمّك سيفها ... حتّى بلاك فكنت عين الصّارم

بلاك: أي جربك. فكنت عين الصارم: أي حقيقته.

يقول: إن الخليفة لم يلقبك بسيف الدولة إلا بعد أن جربك، فوجدك أمضى من السيف الصارم.

فإذا تتوّج كنت درّة تاجه ... وإذا تختّم كنت فصّ الخاتم

يقول: أنت زينة ملكه، وقوام دولته فموقعك من الخليفة موقع الدرّة من التاج، إذ هي زينته، والفص من الخاتم؛ لأن قدر الخاتم بالفص.

وإذا انتضاك على العدى في معركٍ ... هلكوا وضاقت كفّه بالقائم

يقول: إذا جردك الخليفة على أعدائه أهلكتهم، وملأ يده قائمك. يعني أنت أعظم منه قدراً، وأنفذ أمراً، وإن كنت له مطيعاً.

أبداً سخاؤك عجز كلّ مشمرٍ ... في وصفه وأضاق ذرع الكاتم

الذرع: القلب ها هنا.

يقول: من اجتهد في وصف سخائك ظهر عجزه عن بلوغ كنهه، ومن أراد أن يكتمه ضاف صدره؛؟ لأنه لا ينكتم.

وقال أيضاً يمدحه بحلب وقد أر له بفرس وجارية:

أيدري الرّبع أيّ دم أراقا ... وأيّ قلوب هذا الرّكب شاقا؟!

الألف: للاستفهام. ومعناه: النفي. أي لا يدري الربع. وشاقه الحبيب: أي هيج شوقه إليه.

سأل أصحابه وقوفهم ساعة على ربع حبيبه. هل يدري الربع من قتل منا لوجوده؟! وقلب من هيه لشوقه؟ أراد به دم نفسه وقلبه، تغظيماً لهما.

لنا ولأهله أبداً قلوبٌ ... تلاقى في جسومٍ ما تلاقى

الهاء في لأهله للربع. وتلاقى: أصله تتلاقى في الموضعين. وما: النفي. يقول: لنا ولأهل الربع قلوب تتلاقى بالذكر، وإن كانت الجسوم متباينة في العين.

وما عفت الرّياح له محلاً ... عفاه من حدا بهم وساقا

عفا المنزل، وعفتها الرياح: يلزم ويتعدى.

يقول: إن الرياح لم تعف محلاً بهذا الربع، فقد كانت تهب الرياح عليه، وهم حلول به، فلا تمحو له رسماً، ولا تعفو له أثراً، فلما حدى بهم حادي الرحيل، وساق إبلهم سائقه، عفت منازله ودرست أطلاله، فليس للرياح فيه صنع، وإنما ذلك من صنيع من حدى إبلهم وساقها.

فليت هوى الأحبة كان عدلاً ... فحمّل كلّ قلبٍ ما أطاقا

يعني أن الحب قد جار على فحملين فوق ما أطيقه من الشوق، فليت الهوى كان بالتسوية والنصفة بين العشاق. فيكون حظ كل عاشق منه قدر ما يطيقه.

نظرت إليهم والعين سكرى ... فصارت كلّها للدّمع ماقا

سكرى: أي مملوءة من الدمع. والماق: طرف العين مما يلي الأنف، وهو مصب الدمع.

يقول: نظرت للتوديع عند ارتحال الحبيب وعيني مملؤة من لدمع، فلما رحلوا فاض الدمع من كل جانب، فصارت الجوانب كلها والمآق سواء في انصباب الدمع منه.

وقد أخذ التّمام البدر فيهم ... وأعطاني من السّقم المحاقا

يقول: إن البدر فيما بين أهل هذا الربع، قد أخذ التمام والكمال، وأعطاني من السقم الذي في المحاق. يعني: أنا والحبيب بمنزله القمرين، فاختص التمام به، والمحاق بي.

وبين الفر والقدمين نورٌ ... يقود بلا أزمّتها النّياقا

النور: قيل: أراد به جسمها، وقيل: أراد به الوجه، وفاعل يقود ضمير النور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015