لتقدم ذكر العكوف في قوله قبل الآية: (سواء العاكِف فيه والبادِ) ، فلما تقدم ذكْر العكوف متصلاً بالآية وقع الاكتفاء بذلك، وعدل عن
التكرار الذي من شأن العرب العدول عنه إلا حيث يراد تعظيم أو تهويل، نحو قوله: (الحاقّة ما الحاقّة) ، وشبه ذلك.
ولما لم يقع ذكر العكوف قبل آية البقرة ولا بعدها وهو مرادٌ لكونه أخص بالمقصود لم يكن بدٌّ من الإفصاح، وكان قد قيل
في آية الحج: والقائمين، وأغنى ذكرهم متقدماً عن الإتيان به حالاً منبّهة.
وأغنى قوله في البقرة: (والعاكفين) عن قوله: (والقائمين) ، لأن العكوف الملازمة، وهو المراد بالقيام، فورد كلٌّ على ما يجب ويناسب.
ويراد بالركَّع السجود - المصلون.
ومن قال: إن المراد بقوله: والقائمون المصلون فوَجْهه أنَّ ذِكر
العكوف قد حصل فيما تقدم، فاكتفي به، ولم يكن وقع قبل آية البقرة ولا
بعدها، فلم يكن بدٌّ من ذكره.
وعَبّر عن المصلين بالركع السجود.
وتحصّل أنه المقصود بالآيتين، ووردتا على ما يلائم. واللَه أعلم.
(عدل) : مِثْل، كقوله: (أو عَدْل ذلك صِياماً) .
وفدية، كقوله: (ولا يُؤخذ منها عَدْل) .
وكذا قوله: (وإن تعدل كلَّ عَدْل لا يُؤْخَذ منها) .
والعدل من أسماء الله تعالى، لأن أفعاله كلها عدل، فقيل العدل هو الحق، فكل عدل حق، وما ليس بعدل فليس بحق.
فإن قلت: ما وَجْه تقديم العدل في آيةٍ وتأخيره في أخرى؟
والجواب أن في تقديم الشفاعة قَطعاً لطمَعِ مَنْ زَعم أن آباءهم تشفع لهم، وأنَّ الأصنام شفعاؤهم عند الله.
وأخَّرها في الأخرى، لأن التقدير في الآيتين لا ئقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة، لأن النفع بعد القبول.
وقدَّمَ العدل في الأخرى ليكون لفظ القبول مقدماً فيها.
له ثلاثة معان: الصفح عن الذنب، والإسقاط من غير كلفة، ومنه: (ماذا ينْفِقون قل العَفْو) .