قطف الأزهار في كشف الأسرار من ذلك الجمّ الغفير، لَكنَّا "نُشِير هنا إلى توجيه أمثلة منها تتميما للفائدة:
قوله في البقرة: (هُدًى للمتَّقين) البقرة: 2) ، لأنه لما ذكر هنا جموع
الإيمان ناسب المتقين، ولما ذكر في لقمان الرحمة ناسبه: هدى ورحمةً للمحسنين.
وإنما ذكر في البقرة: (وكُلاَ) . البقرة: 35، بالواو، وفي الأعراف:
(فَكُلاَ) . الأعراف: 19، - بالفاء، لأن المراد بالسكنى في البقرة الإقامة.
وفي الأعراف اتخاذ المسكن، فلما ناسب القول إليه تعالى: (وقُلْنَا يَا آدَم)
البقرة: 35، ناسب زيادة الإكرام بالواو الدالة على الجمع بين السكنى
والأكل، ولذا قال فيه رغداً، وقال: حيث شئتما، لأنه أعلم.
وأتى في الأعراف: يا آدم، فأتى بالفاء الدالة على ترتيب الأكل على السكنى المأمور باتخاذها، لأن الأكل بعد الاتخاذ، ومن حيث لا يعطي عموم " حيث شئتما ".
قوله في البقرة: (ولا يُقْبَل منها شَفَاعَةٌ) ، وقال بعد ذلك:
(ولا يقْبَلُ منها عَدْلٌ ولا تَنْفَعُهَا شفاعةٌ) ، ففيه تقديم
وتأخير، والتعبير بقبول الشفاعة تارة وبالنفي أخرى، وذكر في حكمته أن
الضمير في منها راجع في الأولى إلى النفس الأولى، وفي الثانية إلى النفس الثانية، فبيّن في الأولى أن النفس الشافعة الجازية عن غيرها لا تُقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عَدْل، وقدمت الشفاعة لأن الشافع يقدم الشفاعة على بَذْل العدل عنها.
وبيّن في الثانية أن النفس المطلوبة بجُرمها لا يقبل منها عدل عن نفسها، ولا
تنفعها شفاعة شافع فيها، وقدم العدل لأن الحاجة إلى الشفاعة إنما تكون عند
رده، ولذلك قال في الأولى: لا يقبل منها شفاعة، وفي الثانية: ولا تنفعها
شفاعة، لأن الشفاعة إنما تقبل من الشافع، وإنما تنفع المشفوع له.
قوله تعالى في البقرة: (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) .
وفي إبراهيم: (وَيُذَبِّحُونَ) ، بالواو، لأن الأولى من كلامه تعالى لهم فلم يعدد