فينشرح صدره بملابستها، وتطيعه قواه في مباشرتها، فيقبلها بانشراح صدر
ويزاولها بقلبه.
فلما دعا الله أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كل واد من المعاني
بسلاطة لسانهم إلى معارضة القرآن، وعجزوا عن الإتيان بمثله، ولم يقصدوا
لمعارضته، فلم يخف على ذوي البلاغة أن صارفا إلهياً صرفهم عن ذلك.
وأيُّ إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا في الظاهر عن معارضة، مصروفة في الباطن عنها.
فإن قلت: هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة أم لا؟
فالجواب ظهور ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك، ضرورة، وكونه معجزا يعلم بالاستدلال.
قال أبو الحسن الأشعري: والذي نقوله إن الأعجمي لا يمكنه أن يعلم
إعجازه إلا استدلالاً، وكذلك من ليس ببليغ.
فأما البليغ الذي أحاط بمذاهب العرب وغرائب الصنعة فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.
فإن قلت: إنما وقع العجز في الإنس دون الجن؟
فالجواب أن الجن ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه، وإنما ذكروا في قوله تعالى: (قلْ لَئِن اجْتَمَعَت الإنْس وَالْجِنّ.
..
) تعظيما لشأنه، لأن للهيئة الاجتماعية من القوة ما ليس للأفراد، فإذا فرِض إجماع الثقلين، وظاهر بعضهم بعضا، وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز.
وقال بعضهم: بل وقع للجن أيضاً والملائكة منويون في الآية، لأنهم لا
يقدرون أيضاً على الإتيان بمثل القرآن.
وقال الرُّماني في غرائب التفسير: إنما اقتصر في الآية على ذكر الجن
والإنس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثاً إلى الثقلين دون الملائكة.